وقوله:{وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ}. قال ابن عباس ومقاتل: يريد عظة لمن بقي بعدهم (١) وآية وعبرة، والمعنى: أن حال غيرهم من المشركين يقاس بحالهم ويجروا مجراهم إذا ماتوا على الطغيان. قال أبو علي: والمثل واحد يراد به الجمع، ومن ثم عطف على سلف، ويدلك على وقوعه أكثر من واحد. قوله:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ}[النحل: ٧٥]، فأوقع لفظ الإفراد على التثنية، وكذلك أفرد في موضع التثنية فيما أنشد سيبويه:
وَسَاقِيَيْنِ مِثْلِ زَيْدٍ وجُعَلْ (٢)
وقد جمع المثل في قوله:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ}[الحشر: ٢١] وقوله: {ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد: ٣٨]، وأفرد في قوله (٣): {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[النساء: ١٤٠].
٥٧ - قوله تعالى:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد لما ذكر عيسى، وقدرة الله تعالى فيه وخلقه إياه من غير ذكر، وما كان يفعل من إحياء الموتى وغير ذلك إذا قومك منه يصدون يريد: يضجون كضجيج الإبل بالأثقال (٤).
وقال مجاهد في هذه الآية: قالوا إنما يريد محمدٌ أن نعبده كما عبدَ
(١) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٨٥، "تفسير مقاتل" ٣/ ٧٩٨. (٢) هذا صدر البيت وعجزه: سقبان ممشوقان مكنوزا العضل انظر: "الكتاب" ٢/ ١٧، "شرح أبيات" سيبويه ص ٩٥، "الحجة" ٦/ ١٥٣. (٣) انظر: "الحجة" ٦/ ١٥٣. (٤) ذكر ذلك القرطبي في "الجامع" ١٦/ ١٠٣.