تبين؛ لأنها في نية الوقف والانفصال مما بعدها. ولمن لم يبين أن يستدل بتركهم قطع الهمزة في قولهم: {الم (١) اللَّهُ} [آل عمران: ١،٢] ألا ترى أن الهمزة لم تقطع، وإن كانت في تقدير الانفصال مما قبلها، وكما لم تقطع الهمزة في (الم الله) وفي قولهم: واحد اثنان، كذلك لم تبين النون؛ لأنها جعلت في حكم الاتصال كما كان الهمزة فيما ذكرنا) (١). كذلك قال أبو الحسن:(تبين النون أجود في العربية؛ لأن حروف العدد والهجاء منفصل بعضه من بعض، وعامة القراء على خلاف التبيين)(٢).
٢ - وقوله تعالى:{ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} قال أبو إسحاق: ("ذكر" مرتفع بالمضمر المعنى: هذا الذي نتلو عليك ذكر) (٣). قال الأخفش:(كأنه قال: ومما نقص عليك ذكر رحمة ربك)(٤).
وذكر الفراء وجها آخر فقال:(الذكر مرفوع بكهيعص)(٤). وأنكره الزجاج فقال:(هذا محال؛ لأن كهيعص ليس مما أنباء الله به عن زكريا، ولم يجيء في شيء من التفسير أن كهيعص هو قصة زكريا)(٦).
وقول الفراء صحيح على قول من يقول: كهيعص اسم لهذه السورة،
(١) "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٨٦. (٢) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٣، "الحجة للقراء السبعة" ٥/ ١٨٦. (٣) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٨. (٤) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٢٤. (٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦١. قال أبو البقاء في "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١٠: وفيه بعد؛ لأن الخبر هو المبتدأ في المعنى وليس في الحروف المقطعة ذكر الرحمة، ولا في ذكر الرحمة معناها. (٦) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣١٨.