كقولهم: جاريةٌ مَغْنوْجة (١)، أي ذات غُنْجٍ، ولا يقال: غَنَجْتُها؛ ومكان مَهُول: فيه هَوْل، ولا يقال: هُلْتُ المكان؛ جعلت فيه الهَوْل؛ ورجلٌ مَرْطُوب: ذو رُطوبة، ولا يقال: رَطَبْتُه (٢).
القول الثاني: أن معنى الحجاب هاهنا: الطبع الذي على قلوبهم، والمنع الذي منعهم عن أن يدركوا ما يأتي به من الحكمة في القرآن فينتفعوا به، وهذا قول قتادة؛ قال: هو الأكنة (٣)، وعلى هذا قوله:{جَعَلنَا بَيتَكَ}، أي: بين قولك وقراءتك وفهم ما تأتي به، {وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}، وهو ما لا يرونه ولا يعلمونه من الطبع على قلوبهم، وإن شئت قلت: حجابًا ساترًا، على ما ذكرنا.
٤٦ - قوله تعالى:{عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} جمع كنان، وهو ما ستر الشيء (٤)، قال ابن عباس: يريد مثل كنانة النبل (٥).
وقوله تعالى:{أَنْ يَفْقَهُوهُ}، أي: كراهية أن يفقهوه، وأن لا يفقهوه، وقد ذكرنا هذا في مواضع، كقوله:{يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}[النساء: ١٧٦]، {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}: ثقلًا وصممًا، وفيه إضمار حذف لدلالة الكلام
(١) الغُنْجُ: الدَّلّ، والغنج في الجارية: تكسُّرٌ وتدلُّلٌ، وقيل: الغنج: ملاحةُ العينين. انظر: "اللسان" (غنج) ٦/ ٣٣٠٥. (٢) وردت هذه الأمثله في "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٢٢٢، و"أبي حيان" ٦/ ٤٢، و"الدر المصون" ٧/ ٣٦٢. (٣) أخرجه بلفظه: "عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٩، و"الطبري" ١٥/ ٩٣، وورد بلفظه في "تفسير السمرقندي" ٢/ ٢٧٠، انظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٩٧، و"ابن الجوزي" ٥/ ٤٠. (٤) انظر: (كنن) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩٦، و"المحيط في اللغة" ٦/ ١٤٤، و"الصحاح" ٦/ ٢١٨٨، و"اللسان" ٧/ ٣٩٤٢. (٥) ورد غير منسوب في "تفسير ابن عطية" ٩/ ٩٩، و"الفخر الرازي" ٢٠/ ٢٢٢.