وخَلّف، كقولك: سبق زيدٌ عمرًا، أي جاره وخلّفه وراءه فاستأخر، معناه قصر عنه ولم يبلغه، وإذا كان واقعًا على زمان كان بالعكس من هذا؛ كقولك: سبق فلانٌ الحولَ وعامَ كذا، أي مضى قبل إتيانه ولم يبلغه، ومعنى: استأخر عنه، أي: جارُه وخلّفه وراءه، فقوله:{مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} أي لا تقصر عنه فلا تبلغه؛ بأن تهلك قبل بلوغ الأجل {وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} أي ما يتجاوزونه ويتأخر الأجل عنهم.
وقال الفراء في هذه الآية: لم يقل: تستأخر؛ لأن الأمة لفظها مؤنث، فأخرج أول الكلام على تأنيثها وآخره على معنى الرجال (١)، قال الكسائي: رجع إلى الجماع لأنه رأس آية، والآيات على النون، وتقول: انطلقت العشيرة ففعلت، وفعلوا، كلٌّ صواب (٢).
٦ - قوله تعالى:{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} أي: القرآن، قال ابن عباس في رواية عطاء: هذا استهزاء منهم لو أيقنوا أنه نزل عليه الذكر ما قالوا: إنك لمجنون (٣)، ولكنهم استهزؤوا، كما قال قوم شعيب لشعيب:{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}[هود: ٨٧]. وذكر أبو علي وجهًا آخر هو لأصحاب المعاني فقال: الذين يقولون للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - مجنون لا يقرون بإنزال الذكر عليه، فهذا على {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ}: عنده وعند من تبعه، كما قال تعالى:{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان: ٤٩]
(١) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٨٤ بنصه. (٢) لم أقف على قوله. (٣) "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٣٨٣، وورد بمعناه غير منسوب في "تفسير البيغوي" ٤/ ٣٦٩، والزمخشري ٢/ ٣١٠، والفخر الرازي ١٩/ ١٥٨، و"تفسير القرطبي" ٩/ ٤.