والجواب: أن هذا لا يدل على ترجيح قراءته، وإنما وصفه الله سبحانه بالقليلِ من حيثُ كان إلى نَفادٍ ونقصٍ وتناهٍ، ألا ترى أن (١) قوله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ}[النساء: ٧٧] فعلى هذا وُصِفَ المتاع بالقلة في قوله: {فَأُمَتِعُهُ قَلِيلاً}.
وأما جواز أن يكون (قليل) صفة للزمان فيدل عليه قوله: {قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}[المؤمنون: ٤٠] بعد زمان قليل، كما تقول: أطعمه عن جوعٍ وكساه عن عُري (٢).
وقوله تعالى:{ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ} أي: ألجئه في الآخرة إلى عذاب النار {وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} مُختصر، أي: بئس المصير النار أو عذاب النار (٣).
١٢٧ - قوله تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} معنى القعود في أصل (٤) اللغة: الثبات على أيِّ حالةٍ كانت، الدليل عليه قوله تعالى:{تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ}[آل عمران: ١٢١]، يريد: مثابت ومراكز، ولا يريد مَجَالس. وقولهم: قَعَدَتِ المرأةُ عن المحيض، معناه: ثبتت على حالة الطُّهْر، ولا يراد به الجُلوس. ويقولون: قَعَدَتِ الفَسِيلة، إذا ثَبَتَتْ في الأرض، وصار لها جذع (٥). ومن هذا: قواعد البيت، فَقَعَدَ في أصل اللغة
(١) زيادة من (م). (٢) انتهى كلام أبي علي الفارسي من "الحجة" ٢/ ٢٢٢. (٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٧٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٨٦ - ١٨٧. (٤) ساقط من (ش). (٥) "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠٠٤.