مِنْ رَبِّكُمْ} يريد القرآن وما فيه، ومعنى الموعظة: الإبانة عما يدعو إلي الصلاح بطريق الرغبة والرهبة، والقرآن داع إلى كل صلاح بهذا الطريق.
وقوله تعالى:{وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} أي: دواء لداء الجهل، وذلك أن داء الجهل أضر للقلب من داء المرض للبدن، فالمزيل له أجلّ شفاء وأعظمه موقعًا، والقرآن بحمد الله مزيل للجهل، وكاشف لعمى القلب {وَهُدًى} وبيان من الضلالة {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، قال ابن عباس: ونعمة من الله لأصحاب محمد (١) - صلى الله عليه وسلم - (٢).
٥٨ - قوله تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} الآية، قال أبو علي: الجار في قوله: {بِفَضْلِ اللَّهِ} متعلق بمضمر استغني عن ذكره لدلالة ما تقدم من قوله: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ} عليه، كما أن قوله:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ}[يونس: ٩١] يتعلق الظرف فيه بمضمر يدل عليه ما تقدم ذكره من الفعل، وكذلك قوله:{آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}(٣)[يونس: ٥١] معناه الآن تؤمنون، ودل عليه:{أَثُمَّ إِذاَ مَا وَقَعَءَامَنُم}[يونس: ٥١]، ونحو هذا قال ابن الأنباري، فقال (٤): (الباء الأولى في الآية خبر لاسم مضمر، وتأويله:
= أيضًا السمرقندي ٢/ ١٠٢، والقرطبي ٨/ ٣٥٣، والأصل بقاء الخطاب على عمومه، وإلى ذلك ذهب ابن جرير ١١/ ١٢٤، وقال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٧/ ١٦٧: هذه آية خوطب بها جميع العالم. (١) القرآن نعمة لأصحاب محمد ولمن جاء بعدهم مؤمنًا إلى يوم القيامة، فلا وجه لهذا الحصر والتخصيص، وقد أشار الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٤٦٩ إلى هذا التخصيص تفسيرًا لقراءة زيد بن ثابت (فبذلك فلتفرحوا) بالتاء، وسيأتي. (٢) "الوسيط" ٢/ ٥٥٠. (٣) اهـ. كلام أبي علي، انظر: "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ٢٨٠. (٤) هكذا في جميع النسخ.