وقال ابن الأنباري: يُسأل عن هذه الآية فيقال: ما الفائدة في قوله: {فَإِنَّهُ يَتُوبُ} بعد قوله: {وَمَنْ تَابَ} وهل يجوز لقائل أن يقول: من قام فإنه يقوم، ومن ركب فإنه يركب؟ والجواب: أن التكرير وجب لزيادةٍ في المعنى؛ ومعنى الآية: من أراد التوبة وقصد حقيقتها ينبغي أن يريد الله بها، ولا يخلط بها أمرًا من أمور الدنيا. كما يقول الرجل: من تجر فإنه يتجر في البَزِّ (٢)، ومن ناظر فإنه يناظر في النحو. أي: من أراد التجارة فينبغي له أن يتجر في البَزِّ، ومن أراد حسن المناظرة ودقة الاستخراج فينبغي له أن يناظر في النحو (٣).
وقال أبو علي الفارسي: وجه دخول الفاء في قوله: {فَإِنَّهُ يَتُوبُ} كما ذكرنا في قوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ}[البقرة: ١٥٨] ومعنى قوله: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ} فالقول في هذا: أن اللفظ على شيء، والمعنى على غيره، وذلك غير ضيق في كلامهم، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيد، والمعنى لم تؤذيه، واللفظ إنما هو على المسألة من المخاطب، وزيد معطوف عليه، وكذلك قولهم: أمكنك الصيد، والمعنى: ارمه، وكذلك: هذا الهلال أي: انظر إليه، فكذلك قوله:{وَمَن تَابَ} كأنه: ومن عزم على التوبة فينبغي أن يبادر إليها ويتوجه بها إلى الله سبحانه، وهذا كما قال:{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}[النحل: ٩٨] أي: إذا عزمت على ذلك، وعلى هذا المعنى قوله:{فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَابًا} أي: ينبغي أن يتوب، كقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ
(١) ذكر هذا القول البغوي ٦/ ٩٧، ولم ينسبه. (٢) البَزُّ: ضرب من الثياب. "تهذيب اللغة" ١٣/ ١٧٣ (بز). (٣) ذكره ابن الجوزي ٦/ ١٠٨، عن ابن الأنباري.