وقال أهل المعاني: هذا الدعاء مما تُعبّد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقوله، ويدعو به، وإن كان الله لا يفعل غيره، لما في ذلك من التضرع (١)، والعبودية كقوله (٢): {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ}[آل عمران: ١٩٤] والله منجز وعده، وإن لم يسأل ذلك، وقوله:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ}[غافر: ٧، ٨] الآيتان (٣).
وقرأ حفص (٤){رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} يعني قال الرسول ذلك (٥).
وقوله تعالى:{وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قال ابن عباس: يريد من تكذيبهم النبي وخلافكم إياه، واتخاذكم الحجارة أربابًا.
وقال غيره (٦): على ما تكذبون في قوله {هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}[الأنبياء: ٣] وقولكم: {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}[الأنبياء: ٢٦]. والمعنى {عَلَى مَا تَصِفُونَ} من كذبكم وباطلكم.
والوصف بمعنى الكذب -على الوجه الذي ذكرنا- قد ذكر في مواضع من التنزيل كقوله:{سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ}[الأنعام: ١٣٩]، وقوله: {وَلَكُمُ
(١) في (د)، (ع): (النضر)، وهو خطأ. (٢) في (أ): (لقوله). (٣) ذكره هذا المعنى باختصار الطوسي في "التبيان" ٧/ ٢٥٣ ولم ينسبه لأحد. (٤) قرأ حفص عن عاصم: (قال) بألف، وقرأ الباقون: (قُل) بغير ألف. "السبعة" ص ٤٣١، "التبصرة" ص ٢٦٤، "التيسير" ص ١٥٦. (٥) أي: إخبار عن الله عز وجل عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- فهي مسألة سألها ربه، وقراءة الباقين: (قل) على الأمر، أي: قل يا محمد: يا رب احكم بالحق فهو تعلم من الله لنبيّه أن يسأله الحكم بالحق. "علل القراءات" الأزهري ٢/ ٤١٧، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٤٧١. (٦) هذا قول الطبري في "تفسيره" ١٧/ ١٠٩.