قال أبو إسحاق:(لا يجوز أن يخاف زكريا أن يورث المال؛ لأن أمر الأنبياء والصالحين أنهم لا يخافون أن يرثهم أقرباؤهم ما جعله الله لهم)(١). وكان يحيى بن يعمر (٢) يقول: (لئن كان إنما قال يرثني مالي إن كان إذا لجشعا)(٣).
قال أبو علي: (لا يخلو هذا من أن يكون أراد يرث مالي، وعلمي، ونبوتي، وفيما أثر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أنه قال:"نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"(٤). دلالة على أن الذي سأل أن يرثه وليه ليس
= من أن يشفق على حاله إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثه عصابته له ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه. والثاني: أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجارا يأكل من كسب يديه ومثل هذا لا يجمع ولا سيما أن الأنبياء كانوا أزهد شيء في الدنيا. والثالث: أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نورث مما تركنا صدقه". وعلى هذا فيتعين أن المراد ميراث النبوة. وانظر: "زاد المسير" ٥/ ٢٠٩، "أضواء البيان" ٤/ ٢٠٦. (١) "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٣٢٠. (٢) يحيى بن يعمر العدواني، أبو سليمان البصري، قاضي مرو، إمام تابعي ثقة، فقيه مقرئ، نحوي أديب، عالم باللغة، يقال أنه أول من نقط المصحف، مات -رحمه الله- قبل المائة وقيل بعدها. انظر:"سير أعلام النبلاء" ٤/ ٤٤١، "غاية النهاية" ٢/ ٣٨١، "تهذيب التهذيب" ١١/ ٣٠٥، "معجم البلدان" ٢٠/ ٤٢. (٣) لم أقف عليه، وهو قول بعيد؛ لأنه لا يصح أن يقال ذلك في حق الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فهو وصف لا يليق بمكانة نبي الله زكريا -عليه السلام-، وحاشاه أن يوسف بالجشع وهو صفة ذم، والأنبياء عليهم السلام لهم صفات المدح والثناء فمَد اصطفاهم الله واختصهم بالنبوة وشرفهم بها. (٤) أخرجه البخاري: كتاب: فضائل الصحابة، باب: مناقب قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنقبة فاطمة عليها السلام ٣/ ١٣٦٠، ومسلم: كتاب: الجهاد والسير باب قول =