واختار ابن قتيبة القول الأول (١)؛ فقال: هذا مثل ضربه الله لنفسه ولمن عُبد دُونَه، فقدله:{عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} مَثَلُ من عُبِد مِن دونه؛ لأنه عاجزٌ مُدَبَّرٌ مملوكٌ لا يقدر على نفع ولا ضرّ، ثم قال:{وَمَنْ رَزَقْنَاهُ} إلى قوله: {وَجَهْرًا} وهذا مَثَلُه جلَّ وعز؛ لأنه الواسع الجواد القادر الرَّزاق عباده جَهْرًا من حيث يعلمون وسرًّا من حيث لا يعلمون، قال: وهذا القول أعجب إليّ؛ لأن المَثَل توسَّط كلامين؛ هما لله جلّ وعز؛ أما الأول فقوله:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} الآية. فهذا (٢) لله ومن عُبِدَ من دونه، (وأما الآخر فقوله)(٣) بعد إنقضاء المثل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(٤)، ومعنى قوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ} هاهنا: أنه بَيَّنَ أن له الحمدَ على ما فعل بأوليائه، وأنعم عليهم بالتوحيد، هذا معنى قول ابن عباس (٥).
وقال غيره: بَيَّنَ أن له جميعَ الحمد، وأنه المستحق للحمد دون ما يعبدون من دونه؛ لأنه لا يَدَ للأصنام عندهم، ولا نعمة لها عليهم (٦)،
(١) وكذلك رجحه ابن عطية ٨/ ٤٧٦، والفخر الرازي ٢٠/ ٨٤، وأبوحيان ٥/ ٥١٩، وابن القيم في "الأمثال" ص ٢٠٥. (٢) في جميع النسخ: (عهد الله)، وهو تصحيف، والتصويب من المصدر. (٣) ما بين القوسين كتب على الهامش في نسخة (أ). (٤) "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٨٤ - ٣٨٥، بتصرف واختصار، وورد نحوه في "معاني القرآن" للنحاس ٤/ ٩٢. (٥) قال: الحمد لله على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتوحيد. انظر: "تفسير الفخر الرازي" ٢٠/ ٨٥، بنصه، وأبي حيان ٥/ ٥١٩، بنصه. (٦) ورد في "تفسير الطبرى" ١٤/ ١٤٩، بنحوه، والثعلبي ٢/ ١٦٠ ب، بنحوه، وانظر: "تفسير البغوي" ٥/ ٣٣، وابن الجوزي ٤/ ٤٧٣، والفخر الرازي ٢٠/ ٨٥، و"تفسير القرطبي" ١٠/ ١٤٨، والخازن ٣/ ١٢٧.