يقول: سقيته حتى رَوِي، أسقيه، قال الله تعالى {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا}[الإنسان:٢١]، وقال:{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء: ٧٩]، وقال:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا}[محمد: ١٥]، وما كان للشفة فهو بفتح النون؛ ومن ضَمَّ النونَ (١) فهو من قولك: أسقاه إذا جعل له شِربًا كقوله: {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا}[المرسلات: ٢٧]، وقوله:{فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ}[الحجر: ٢٢]، والمعنى هاهنا إنا جعلناه في كثرته وإدامته كالسُّقْيَا، واختار أبو عبيدة الضَّمَّ وقال: لأنه شِرْبٌ دائم (٢)، وأكثر ما يقال في هذا المعنى: أَسْقَيْت، وذكرنا الكلام في سقى وأسقى في سورة الحجر (٣).
واختلف النحويون في علة تذكير الكناية في قوله:{مِمَّا فِي بُطُونِهِ}، وهي راجعة إلى الأنعام، فقال أبو إسحاق: الأنعام لفظه لفظ جمع، وهو اسم للجنس يذكر ويؤنث، يقال: وهو الأنعام، وهي الأنعام، {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ}، وفي موضع آخر:{مِمَّا فِي بُطُونِهَا}(٤)[المؤمنون: ٢١].
وهذا مذهب سيبويه، قال في ذِكْرِه إن الاسم الواحد يجيء على أَفْعَال، قال: يقال: هو الأنْعَام، وقال:{فِي بُطُونِهِ}(٥)، فذهب إلى أنه اسم مذكر يقع للجميع كالقوم والنفر والرهط، وقال الفراء: النَّعَمُ والأنعامُ شيء واحد، فرجع التذكير إلى معنى النَّعَم إذ كان يؤدي عن معنى الأنعام،
(١) وهم: ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي. انظر: المصادر السابقة. (٢) لم أجده في مجازه، وورد في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٨، بنصه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" ٤/ ٦٤. (٣) آية: [٢٢]. (٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٠٩، بنصه. (٥) "الكتاب" ٣/ ٢٣٠، بنحوه، وانظر:"إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٤٠١.