وقوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ} قال ابن عباس (١): لذو يقين ومعرفة بالله. وقال الكلبي (٢): لذو عمل، ونحو هذا روى سعيد عن قتادة (٣): قال: إنه لعامل بما علم. قال سفيان (٤): من لا يعمل لا يكون عالمًا، قال ابن الأنباري (٥): والذي قاله الكلبي جائز تحتمله اللغة، من قبل أن العلم أول أسباب العمل، فسمي بما هو من سببه وبما يقع متولدًا منه ومبنيًا عليه. كما قيل لعيسى: كلمة الله؛ لأنه بالكلمة وجد وخلق.
وقوله تعالى:{لِمَا عَلَّمْنَاهُ} يمكن أن يكون "ما" مصدرًا والهاء عائدة على يعقوب، ويكون التقدير: لأنه لذو علم من أجل تعليمنا إياه. ويكون اللام على هذا كهي في قوله {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات: ٨] يعني به من أجل حب المال لبخيل. وهذا معنى قول قتادة (٦). ويمكن أن تكون "ما" بمعنى "الذي" والهاء عائدة عليها، ويكون التأويل: وإنه لذو علم لأجل الذي علمناه، وللخير الذي علمناه، وللعلم الذي بيناه له. وقيل في التفسير: وإنه لذو فهم لما علمناه أي ذو حفظ (٧) ومراقبة لما علمناه. وقال أهل المعاني: مدحه الله تعالى بالعلم لقوله: {وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} علم أن الحذر لا ينفع من القدر وأن المقدور كائن.
(١) انظر: "زاد المسير" ٤/ ٢٥٤. (٢) انظر: "زاد المسير" ٤/ ٢٥٤، القرطبي ٩/ ٢٢٩، ابن كثير ٢/ ٥٣١. (٣) الطبري ١٣/ ١٤، الثعلبي ٧/ ٩٥ أ، "زاد المسير" ٤/ ٢٥٤، ابن عطية ٨/ ٢٤، ابن أبي حاتم ٧/ ٢١٦٩، أبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٤٩. (٤) الطبري ١٣/ ١٥، الثعلبي ٧/ ٩٥ أ، البغوي ٤/ ٢٥٩، ابن عطية ٨/ ٢٤. (٥) "زاد المسير" ٤/ ٣٥٤ مختصرًا. (٦) وهو قول الزجاج في "معانيه" ٣/ ١١٩، والفراء ٢/ ٥٠. (٧) هذا القول ذكره الفراء في "معانيه" ٢/ ٥٠.