كل دابة بهذه المنزلة في الذلة والانقياد لله عز وجل.
وقوله تعالى:{إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، [قال أبو إسحاق (١): أي: هو وإن كانت قدرته تنالهم بما شاء فهو لا يشاء إلا العدل، وزاد ابن الأنباري (٢) لهذا بيانًا فقال: لما قال {إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا} كان في معنى: لا يخرج عن قبضته، لكنه قاهر بعظيم سلطانه كل دابة، فأتبع قوله {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}] (٣) [أي أنه وان كان قادرًا عليهم فهو لا يظلمهم ولا يلحقهم بقدرته عليهم - إلا ما يوجب الحق وقوعه بهم، وهذا معنى قول مجاهد {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}] (٤) قال: على الحق (٥)، وهذا نحو كلام العرب إذا وصفوا رجلاً بحسن السيرة والعدل والإحسان، قالوا: فلان على طريقة حسنة وليس ثم طريق.
وذكر وجهًا آخر قال: لما ذكر أن سلطانه قد قهر كل دابة، أتبع هذا قوله {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي أنه لا يخفى عليه مستتر، ولا يعدل عنه هارب، فذلك الصراط المستقيم، وهو يعني به الطريق الذي لا يكون لأحد مسلك إلا عليه؛ كما قال {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[الفجر: ١٤] وقال عطاء عن ابن عباس (٦) في هذه الآية يريد أن الذي بعثني الله به دين مستقيم.
(١) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٥٨. (٢) "زاد المسير" ٤/ ١١٩. (٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ي). (٤) ما بين المعقوفين ساقط من (جـ). (٥) الطبري ١٢/ ٦٠ - ٦١، "زاد المسير" ٤/ ١١٨. (٦) البغوي ٤/ ١٨٤.