قال ابن الأنباري: أبهم قوله: {مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، ولم يخصصه بما ذكره المفسرون من الآيات لكثرة ترددها في القرآن، وإن معرفة المخاطبين بالقرآن أغنى عن ذكر ما هو معلوم عندهم، يدل على هذا قول الشاعر (١):
ذري ماذا علمت سأتقيه ... ولكن بالمغيب نبئيني
= شعب الإيمان" ١/ ١٨٨. وحول هذا الإطلاق على الباري جل جلاله الملحوظات التالية: أولاً: أن اصطلاح علماء الكلام يخالف لغة العرب التي نزل بها القرآن، إذ مرادهم بذلك الأول الذي لم يسبقه عدم، والقديم في لغة العرب: المتقدم على غيره، كما في قوله تعالى: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: ٣٩]، وقوله تعالى: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} [الشعراء: ٧٥، ٧٦] فلفظ القديم والأقدم يعني المتقدم على غيره وإن كان مسبوقًا بعدم. ثانيًا: أن من عقائد السلف أن أسماء الله وصفاته توقيفية فلا يتجاوز بها الوارد في الكتاب والسنة، وليس للاستحسان والاجتهاد دخل في ذلك. ثالثًا: أنه قد جاء في الكتاب والسنة ما يقوم مقام هذا اللفظ ويغني عنه، وهو اسم الله الأول كما في قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ} [الحديد: ٣]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء" "صحيح مسلم" (٢٧١٣) كتاب الذكر، باب: ما يقول عند النوم، واسمه تعالى: (الأول) أحسن من (القديم)؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل له، وتابع له، بخلاف القديم والله تعالى له الأسماء الحسنى، لا الحسنة. انظر: "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" ١/ ٢٤٥، "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ٧٧، "مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية" ص ٢٧. (١) اختلف فيه، فالبيت للمثقب العبدي في "ديوانه" ص ٢١٣، "خزانة الأدب" ٧/ ٤٨٩، ولمزرد بن ضرار في "ديوانه" ص ٦٨، ولسحيم بن وثيل أو للمثقب العبدي أو لأبي زبيد الطائي في "المقاصد النحوية" ١/ ١٩٢، ولأبي حيه النميري في "لسان العرب" (أبي) ١/ ١٨، وقد ذكر ابن منظور قبل هذا البيت بيتًا آخر هو: أبالموت الذي لا بد أني ... ملاق لا أباكِ تخوفيني؟