وقوله تعالى:{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} اختلفوا في رجوع الكناية من (عليه)، فقال أبو روق: على النبي -صلى الله عليه وسلم- (١)، قال الزجاج: لأن الله ألقى في قلبه ما سكن به وعلم أنهم غير واصلين إليه (٢)، وقال ابن عباس: على أبي بكر، فأما النبي -صلى الله عليه وسلم- فكانت (٣) السكينة عليه من (٤) قبل ذلك (٥)، قال أهل المعاني: وهذا أولى لأنه الخائف الذي احتاج إلى الأمن، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان آمناً؛ لأنه كان قد وعد بالنصر، فكان ساكن القلب (٦)، وقال عطاء، عن ابن عباس في قوله تعالى:{فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} يريد: رحمته على نبيه وعلى صاحبه (٧)، وعلى هذا: الكناية راجعة إليهما، وهو مذهب المبرد، قال: ويجوز أن تكون عليهما فاكتفى بذكر أحدهما كقوله: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}[التوبة: ٦٢](٨).
وذكر ابن الأنباري هذه الأقوال في رجوع الكناية، ونصر مذهب المبرد، وقال: التقدير: فأنزل الله سكينته عليهما وأيدهما، فاكتفى بإعادة الذكر على أحدهما من إعادته عليهما جميعًا كما قال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ
(١) لم أجد من ذكره عنه، وقد رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٦/ ١٨٠١ عن حبيب بن أبي ثابت، وذكره ابن الجوزي في "تفسيره" ٣/ ٤٤٠ عنه وعن علي وابن عباس. (٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٤٩، وهذا أولى لأن في القول الثاني تفكيك للضمائر. (٣) في (ج): (كانت). (٤) ساقط من (ج). (٥) رواه ابن أبي حاتم ٦/ ١٨٠١، والثعلبي ٦/ ١١٠ ب، وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في "الدلائل" وابن عساكر في "تاريخه" كما في "الدر المنثور" ٣/ ٤٣٩. (٦) ذكره بمعناه ابن قتيبة في "غريب القرآن" ٢/ ١٢، والنحاس في "معاني القرآن الكريم" ٣/ ٢١٠، وفي "إعراب القرآن" ٢/ ٢١٥. (٧) ذكره مختصرًا الماوردي في "النكت" ٢/ ٣٦٤، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٥/ ٤٣. (٨) لم أجده في كتب المبرد التي بين يدي.