فقال: بهن والسيوف جمع كثرة، وروي عن ابن عباس أيضًا أنه قال:" {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} باستحلال القتل والغارة فيهن"(١)، وهذا يوجب ترك القتال في الأربعة الحرم، وبقاؤها على ما كانت قبل الإسلام، وقد ذكرنا الخلاف في هذا الحكم في سورة البقرة (٢)، في قوله:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}[البقرة: ٢١٧].
وقوله تعالى:{وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}، قال ابن عباس:"كافة: جميعًا"(٣)، يريد: قاتلوهم كلهم ولا تُحابوا (٤) بعضهم بترك القتال؛ كما أنهم يستحلون قتال جميعكم، ويجوز أن يكون المعنى: قاتلوهم بأجمعكم، مجتمعين على قتالهم كما يفعلون هم، يريد:
(١) رواه الثعلبي ٦/ ١٠٥ ب، والبغوي ٤/ ٤٥. (٢) انظر النسخة الأزهرية: ١/ ١٣٢ أحيث قال: (وأما حكم القتال في الشهر الحرام اليوم فالعلماء فيه مختلفون، قال ابن جريج: "حلف لي عطاء بالله ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الشهر الحرام، إلا أن يقاتلوا"، وروى أبو الزبير عن جابر قال: "لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغزوا في الشهر الحرام إلا أن يغزا، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ"، وسئل سعيد بن المسيب هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال: نعم، وقال ذلك سليمان بن يسار، وهو مذهب قتادة وغيره من العلماء، يرون القتال في الشهر الحرام، قال أبو عبيدة: والناس اليوم بالثغور جميعًا على هذا القول). (٣) رواه ابن جرير ١٠/ ١٢٨، وابن أبي حاتم ٦/ ١٧٩٣، وابن المنذر والبيهقي في "شعب الإيمان" كما في "الدر المنثور" ٣/ ٤٢٥، وهو من رواية علي بن أبي طلحة. (٤) في (ى): (تخافوا)، وأثبت ما في (ح) و (م) لموافقته لـ"الوسيط" ٢/ ٤٩٤، و"تفسير الرازي" ١٦/ ٥٤، والمحاباة: قال الخليل في كتاب "العين" (حبو) ٣/ ٣٠٩: "الحباء: عطاء بلا مَنٍّ ولا جزاء، حبوته أحبوه حباء، ومنه أخذت المحاباة". وفي "لسان العرب" (حبو) ٢/ ٧٦٦: "حابى الرجل حباء: نصره واختصه ومال إليه".