قوله: جعلناهم (١){لِيَمْكُرُوا} بيان أنهم لم يمكروا مُعاداة لله، بل جعلهم أكابر ليمكروا تكذيبًا للقدرية في مسألة التعديل والتجوير (٢).
وقوله تعالى:{وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ}. قال ابن عباس:(يريد: ما يحيق هذا المكر إلا بهم؛ لأنهم بمكرهم يعذبون)(٣)، كأنه قيل: ما يضرون بذلك المكر إلا أنفسهم؛ لأن وبال مكرهم يعود عليهم {وَمَا يَشْعُرُونَ} أنهم يمكرون بها (٤)، قال ابن عباس:(لأنهم يقتلون ويصيرون إلى العذاب)(٥).
١٢٤ - قوله تعالى:{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ} الآية، قد ذكرنا قول مقاتل في سبب نزول هذه الآية، وقال غيره من المفسرين:(إن الوليد بن المغيرة قال: والله لو كانت النبوة حقًّا، لكنت أولى بها منك؛ لأني أكبر منك سنًا وأكثر منك مالاً، فأنزل الله هذه الآية)(٦)، وقال الضحاك:(سئل كل واحد من القوم أن يخص بالوحي والرسالة كما أخبر الله عنهم في قوله: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً}[المدثر: ٥٢] (٧)، وظاهر الآية يدل على هذا؛ لأن الكناية في قوله:
(١) هكذا العبارة في النسخ، وهي لا تستقيم، ولعل فيه سقطًا، أو الصواب: ومعنى (ليمكروا) جعلناهم ليمكروا، وفيه بيان أنهم لم يمكروا. (٢) انظر: "تفسير الرازي" ١٣/ ١٧٤. (٣) لم أقف عليه، وهو نص كلام الزجاج في معانيه ٢/ ٢٨٨. (٤) انظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٢٤، و"معاني النحاس" ٢/ ٤٨٤، و"تفسير السمرقندي" ١/ ٥١١. (٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١١٣. (٦) ذكره أكثرهم. انظر: "تفسير مقاتل" ١/ ٥٨٨، والسمرقندي ١/ ٥١١ , والثعلبى ١٨٣ ب، والبغوي ٣/ ١٨٥، والرازي ١٣/ ١٧٥، والقرطبي ٧/ ٨٠. (٧) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١١٣ , وابن الجوزي في "تفسيره" ١٣/ ١٧٥.