دامت قلوبكم واحدة، ولم تُلبَسوا شِيَعًا, ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وأُلبستم شِيعًا، فامرؤٌ ونفسُه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية قال: ومن الآيات آيٌ وقع تأويلهن في آخر الزمان (١).
وروي عن ابن عمر أنه قال:"هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم"(٢)، ويؤكد هذا الوجه: ما روي أن أبا ثعلبة الخشني سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية فقال: ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت دنيا مؤثرة، وشحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك، وذر عوامهم (٣).
الوجه الثالث في تأويل الآية: ما ذهب إليه عبد الله بن المبارك، فقال: هذه أوكد آية في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله تعالى خاطب بها المؤمنين جميعًا، وأغراهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} يعني: عليكم أهل دينكم {لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ} من الكفار، وهذا كقوله تعالى:{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}[البقرة: ٥٤] يعني:
(١) أخرجه الطبري ٧/ ٩٦، وذكره ابن كثير ٢/ ١٢٤، وعزاه إخراجه إلى أبي جعفر الرازي، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ٥٩٩ إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الشعب. (٢) أخرجه الطبري ٧/ ٩٦ وأخذه عنه ابن كثير ٢/ ١٢٤، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ٢/ ٥٩٩ إلى ابن مردويه أيضًا. (٣) أخرجه الترمذي (٣٠٥٨) كتاب: التفسير، باب: من سورة المائدة وقال حسن غريب، وأبو داود (٤٣٤١)، كتاب: الملاحم، باب: الأمر والنهي، والطبري ٧/ ٩٧، البغوي في "شرح السنة" ١٤/ ٣٤٧.