والظاهر في هذه الآية ما قال الحسن؛ لكون المستثنى من المكتوب عليهم، والمهاجرون والأنصار وهؤلاء الذين ذكرهم فقال:{مِنْهُمْ}، وإنما أريد بقوله:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} المنافقون والذين لم يستقر الإيمان في قلوبهم، وهم الذين ذكروا في قوله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية، وقوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} هذا هو ظاهر (....)(١) عطاء ومقاتل، فيمكن أن يحمل على وجهين: أحدهما: أن قوله: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ} يريد اليهود والمنافقين والمؤمنين جميعًا، ثم استثنى الصحابة الأنصار والمهاجرين والمؤمنين بقوله:{مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}، ويكون قوله بعد هذا:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} اليهود والمنافقين.
وقد ورد في التنزيل آي حمل بعضها على العموم وبعضها على الخصوص. وعليه (....)(٢) أن يُحمل على قراءة من قرأ {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} بالنصب (٣)؛ لاختلاف جنسي المستثنى منه والمستثنى، وذلك أنه في هذه الآية قبيلان: مكتوب عليهم وهم المنافقون، ومستثنى وهم الأنصار، فصار كالجنسين المختلفين، وإذا اختلف الجنسان فالاختيار النصب (٤)، كقوله:
وما بالرَّبع من أحدٍ إلا أواري (٥)
(١) بياض في (ش) بقدر كلمتين أو ثلاث، ويمكن أن تقدر بـ: [ما قاله] أو [ما ذهب إليه]. (٢) كلمة غير واضحة في (ش)، ويمكن أن تقدر بـ: [يحتمل]. (٣) هذِه قراءة لابن عامر خاصة وكذا هي في المصحف الشامي. انظر: "الحجة" ٣/ ١٦٨، "النشر" ٢/ ٢٥٠. (٤) انظر: "معاني الزجاج" ٢/ ٧٠، "شرح المعلقات العشر" للنحاس ٢/ ١٥٨. (٥) جملة مستفادة من بيتين من الشعر للنابغة الذبياني هما: وقفت فيها أصيلا لا أسائلها ... عيت جوابًا وما بالربع من أحد إلا الأواري لأيًا ما أبينها ... والنؤيُ كالحوض بالمظلومة الجلد