وسنذكر هذا بأبلغ من هذا الشرح عند قوله:{ضَيِقًا حَرَجًا}[الأنعام: ١٢٥] إن شاء الله.
قال ابن عباس في قوله:{ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ}: يريد ضيقًا مما قضيت، يريد: يرضوا بقضائك (١). وكذا قال أبو العالية: حرجًا أي ضيقًا (٢).
وقال مجاهد: شكا (٣)، أي لا تضيق صدورهم عن قضيتك.
وقوله تعالى:{وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} التسليم تفعيل من السلامة، يقال: سلم فلان، أي: عوفي ولم تنشب به بلية. وسلم هذا الشيء لفلان، أي: خلص له من غير منازع ولا مشارك. فإذا ثقلته بالتشديد فقلت: سلّم له، فمعناه أنه خلصه له ولم يدع فيه (٤).
هذا هو الأصل في اللغة. وجميع معاني التسليم راجع إلى هذا الأصل، فقولهم: سلّم عليه، أي دعا له بأن يسلم. وسلم إليه الوديعة، أي أخلصها له وخلى بينها وبينه. وسلم له، أي: بذل الرضا بحكمه، على معنى: ترك السخط والمنازعة. وكذلك: سلم لفلان ما قال، أي أخلصه له
= والشاهد أن النعم وهي الإبل كالحراج وهي الشجر الملتفة الكثيرة. (١) في "زاد المسير" ٢/ ١٢٤ أن ابن عباس فسر الحرج هنا بالشك كقول مجاهد الآتي وانظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص ٨٨، وعنه أيضاً: (هما وحزنًا). انظر: "البحر المحيط" ٣/ ٢٨٤. وممن فسر الحرج بالضيق أبو عبيدة في "مجازة" ١/ ١٣١، والطبري ٥/ ١٥٨، والزجاج في "معانيه" ٢/ ٧٠. (٢) لم أقف عليه. (٣) "تفسيره" ١/ ١٦٤، وأخرجه الطبري ٥/ ١٥٨. (٤) انظر: "مقاييس اللغة" ٣/ ٩٠، "المفردات" للراغب ٢٣٩ - ٢٤٠.