ومعنى الآية: ما كان الله ليذركم يا معشر المؤمنين، على ما أنتم عليه مِن التباسِ المنافقِ بالمؤمنِ، والمؤمن بالمنافق، حتى يُمَيِّزَ الخبيثَ من الطَّيِّب، أي: المنافقَ مِنَ المُؤمِنِ.
قال مجاهد (١): فَمَيّزَ الله المؤمنين يومَ أحد مِنَ المنافقين؛ حيث أظهروا النفاقَ، وتَخَلَّوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} فتعرفوا المنافقَ من المؤمنِ قبل التمييز، ولكنَّ اللهَ يختار بمعرفة (٢) ذلك مَنْ يَشَاء مِنَ الرُّسُلِ.
قال ابن عباس (٣): يريد: أنت يا محمد ممن اصطفيتُهُ وأطلعته على هذا الغيب.
وهذا معنى قول السُّدِّي في هذه الآية، فإنه قال في سبب نزولهما ما يُشاكِل هذا التفسير، وهو أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أُعْلِمْتُ مَنْ يُؤْمِنُ بي وَمَنْ لا يُؤمِنُ" فَبَلَغَ ذلك المنافقينَ، فاستهزؤوا، وقالوا: كيف، ونحن معه لا يعرفنا؟! فأنزل الله هذه الآية (٤).
(١) قوله في: "تفسير الطبري" ٤/ ١٨٧، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٨٢٤، و"النكت والعيون" ١/ ٤٣٩. (٢) في (ج): (بمعرفته). (٣) لم أقف على مصدر قوله. (٤) الحديث أورده -غير مسند-: الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١٥٩ ب. ونَصُّه عن الثعلبي: (قال السدي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضت علي أمتي في صورها، كما عُرِضت على آدم، وأعْلِمتُ مَن يُؤْمِنُ بي ومن يكفر". فبلغ ذلك المنافقين، فاستهزؤوا، وقالوا: زعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر، ممن لم يُخلَق بعد، ونحن معه ولا يعرفنا. فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام على المنبر خطيبًا، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال أقوام جهَلوني، وطعنوا في علمي، لا =