العبادةَ، فمعنى قوله:{أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}، أي: سلّم وجهه له، بأن صانه عن السجود لغيره، وخَصَّ الوجه، لأنه إذا جاد بوجهه في السجودِ لم يبخل بسائر جوارحه. وقال قومٌ من أهل المعاني: أسلمَ وجهَه أي: أسلمَ نفسه وجميع بدنه لأمر الله، والعرب تستعملُ الوجه وهم يريدون نفسَ الشيء، إلا أنَّهم يذكرونه باللفظ الأشرف (١)، كما قال:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨].
وقال جماعة: الوجهُ قد يقع صلةً في الكلام (٢)، فقوله:{أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} أي: انقاد هو لله، ومثله:{فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ}[آل عمران: ٢٠] أي: انقدت لله بلساني وعَقْدي (٣)، قال زيد بن عمرو بن نفيل (٤):
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ ... له المزنُ تحملُ عَذْبًا زُلالًا (٥)
(١) قال القرطبي في "تفسيره" ١/ ٦٧: والعرب تخبر بالوجه عن جملة الشيء، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٥٢. (٢) ذكره أبو حيان في: "البحر المحيط" ١/ ٣٥٢ معاني (أسلم وجهه) بأنه: أخلص عمله لله أو قصده، أو فوض أمره إلى الله تعالى، أو خضع وتواضع. ثم قال: وهذه أقوال متقاربة في المعنى، وإنما يقولها السلف على ضرب المثال، لا على أنها متعينة يخالف بعضها بعضًا. (٣) في (ش): (وعقيدتي). (٤) هو: زيد بن عمرو بن نفيل العَدَوي، ابنُ عَمِّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يعادي عبادة الأوثان، ولا يأكل مما ذبح عليها، آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته، قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "إنه يبعث أمة وحده" توفي قبل البعثة بخمسِ سنين. ينظر: "جمهرة أنساب العرب" ص ١٠٥، و"الإصابة" ١/ ٥٦٩. (٥) هما بيتان ذكرهما الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١١٩ هكذا: أسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخرًا ثقالا وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذبًا زلالا =