وقال ابن قتيبة: إن من مذاهب العرب التكرار: إرادة التوكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز، ولا موضع أولى بالتكرار للتوكيد من الذي نزلت فيه:(قل يا أيها الكافرون)، لأنهم أرادوه على أن يعبد ما يعبدون، ليعبدوا ما يعبد أبدؤوا في ذلك وأعادوا، فأراد الله حسم أطماعهم -قال- وفيه وجه آخر:
وهو أن القرآن كان ينزل شيئًا بعد شيء، وآية بعد آية، جوابًا لهم يسألون، وردًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فكأن المشركين قالوا (له)(١): [أسلم](٢) ببعض آلهتنا حتى نؤمن بإلهك، فأنزل الله:(لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد) لأني لا أفعل ما قلتم.
ثم غبروا (٣) مدة فقالوا: تعبد آلهتنا يومًا، أو شهرًا، أو حولاً، ونعبد إلهك يومًا، أو شهرًا، أو حولاً، فأنزل:(ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد) أي على شريطة أن تؤمنوا به [في](٤) وقت، وتشركوا به في وقت (٥).
أي لا أعبد آلهتكم على ما تشارطون، ولا أنتم أيضًا عابدون إلا هي (٦) على هذه الشريطة، لأني لا أفعل ما تشترطون؛ قال (٧): (وهذا
(١) ساقط من (أ). (٢) في (أ)، (ع): (استلم)، والمثبت من مصدر القول. (٣) غير الشيء غبورًا: مكث وذهب. "لسان العرب" ٣/ ٥ (غير). (٤) ساقطة من النسختين، وأثبت ما جاء في مصدر القول لاستقامة الكلام به وانتظامه. (٥) "تأويل مشكل القرآن" ٢٣٧ - ٢٣٨ بيسير من التصرف. (٦) في (ع): (الهي). (٧) أي ابن قتية.