قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} أي: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من التوراة (٢) قبل القرآن. يعني: كفار مكة احتج الله عليهم لما قالوا: هلا أوتى محمد مثل ما أوتى موسى؟ بكفرهم بما أوتي موسى. أي: فقد كفروا بآيات موسى، كما كفروا بآيات محمد، و {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} قال الكلبي: وذلك أنهم بعثوا رهطًا إلى يهود المدينة يسألونهم عن بعث محمد وشأنه! فقالوا: إنا نجده في التوراة بنعته وصفته، فرجع الرهط إليهم، وأخبروهم بقول اليهود، فقالوا عند ذلك:{سِحْرَانِ تَظَاهَرَا}(٣).
وقرئ (سَاحِرَانِ)(٤) وهو اختيار أبي عبيدة؛ لقوله:{تَظَاهَرَا} أي: تعاونا، والمعاونة إنما تكون في الحقيقة للساحرين، لا للسحرين (٥)،
(١) "تفسير مقاتل" ٦٦ ب. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٤٨ ب، ولم ينسبه. والتأويل الأول أقرب؛ لأنهم سألوا معجزات مادية محسوسة كما ذكر الله عنهم في آخر سورة الإسراء: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} الآيات [٩٠ - ٩٣]. (٢) في نسخة: (أ)، (ب): أي: أولم يكفروا بتوراة موسى. (٣) ذكره الثعلبي ٨/ ١٤٩ أ، عن الكلبي. وظاهر هذا أن الآية خطاب لكفار قريش، وفيها التشنيع عليهم بكفرهم بموسى عليه الصلاة والسلام، وهذا بعيد، والأقرب ما أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٨٣، عن مجاهد في تفسير هذه الآية: يقول الله لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: قل لقريش يقولوا لهم، أي: لليهود: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل. (٤) قرأ عاصم وحمزة والكسائي: {سِحْرَانِ} ليس قبل الحاء ألف، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (سَاحِرَانِ) بألف قبل الحاء. "السبعة في القراءات" ٤٩٥، و"الحجة للقراء السبعة" ٥/ ٤٢٣، و"النشر في القراءات العشر" ٢/ ٣٤١. (٥) ذكر هذا التوجيه أبو علي في "الحجة" ٥/ ٤٢٣، ولم ينسبه لأبي عبيد؛ وإنما نسبه له الثعلبي ٨/ ١٤٩ أ.