أدلة هذا القول: استدل الجمهور بالقرآن والسنة والمعقول على حجية الإجماع الصريح:
• أولًا: الأدلة من القرآن:
١ - قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (١١٥)} [النساء: ١١٥]. هذه الآية أقوى الأدلة على حجية الإجماع، وقد تمسك بها الإمام الشافعي بعد ما استعرض القرآن ثلاث مرّات للبحث عن دليل على حجية الإجماع (١).
• وجه الدلالة: توعد اللَّه سبحانه وتعالى من يتبع غير سبيل المؤمنين بالنار، ولو لم يكن محرّمًا لما توعد عليه، وقد حسن الجمع بين اتباع غير سبيل المؤمنين ومشاقة الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- في التوعد (٢).
٢ - وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣].
• وجه الدلالة: وصف اللَّه سبحانه وتعالى الأمة بأنهم عدول، ولمّا كانت أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أمة عدل جعلها اللَّه سبحانه وتعالى. حجة على الأمم كلها في قبول قولها عليهم، كما جعل سبحانه وتعالى الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- حجة علينا في قبول قوله؛ فإذا كان قول الأمة حجة على سائر الأمم، كان إجماعهم حجة على آحادهم (٣).
٣ - وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠].
• وجه الدلالة: بين اللَّه سبحانه وتعالى أن الأمة خير أمة بسبب أمرها بكل معروف، ونهيها عن كل منكر، فعلى هذا فإن الأمة -ممثلة بمجتهديها- إذا أمرت بشيء عرفنا أنه معروف، وإذا نهت عن شيء علمنا أنه منكر، فيكون أمرهم ونهيهم حجة (٤).
٤ - وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: ١٠٣].
• وجه الدلالة: نَهْي اللَّه سبحانه وتعالى عن التفرق، فكانت مخالفة الإجماع تفرقًا، فكان منهيًا عنه، ولا
(١) "أحكام القرآن" للإمام الشافعي (١/ ٥٣)، وانظر: "الإحكام" للآمدي (١/ ٢٥٨)، و"الإبهاج" للسبكي (٢/ ٣٥٣).
(٢) "الإحكام" للآمدي (١/ ٢٥٨)، و"إحكام الفصول" للباجي (١/ ٤٤٣).
(٣) انظر: "الإحكام" للآمدي (١/ ٢٧٠)، و"أصول السرخسي" (١/ ٢٩٧).
(٤) "الإحكام" للآمدي (١/ ٢٧٣)، و"أصول السرخسي" (١/ ٢٩٦).