رضيتُ من الغنيمة بالإِياب [١] . وكان المقام بمَروَ الشَّاهِجَان [٢] إلى أن حدث بخُراسان ما حدث من الخرابِ، والويل المُبير واليباب [٣] . وكانت- لعَمرُ الله- بلادا مونقة الأَرجاء رائقةَ الأَنحاء، ذَات رياض أَريضة [٤] ، وأهوية صحيحة مَرِيضة، قد تَغَنَّت أطيارُها، فتمايلت أَشْجارُها [٥] ، وبكت أنهارُها، فتضاحكت أزهارُها، وطاب رَوْحُ نَسِيمها، فَصَحَّ مِزاجُ إقليمها.
إلى أن قال [٦] : جملةٌ أمرها أنّها كانت أنموذج الجنَّة لا مَيْنٍ، فيها ما تشتهي الأَنْفُس، وتَلَذُ العيْن.
إلى أن قال في وصف أهلها [٧] : أطفالُه رِجال، وشبّانهم أبطال وشيوخهم [٨] أبدال [٩] . ومن العجب العجاب أنْ سلطانَهم المالك، هان عليه تركُ تِلْكَ الممالك، وقال: يا نفس الهوى لك [١٠] ، وإلّا فأنتِ في الهَوالك، فأجفل إجفال الرَّال [١١] ، وطَفِقَ إذا رأى غيرَ شيء ظنّه رجلا بل رجال [١٢] ، فجاسَ خلالَ تلك الدّيار أهلُ الكفر والإلحاد، وتَحَكَّم في تلك الأَبْشَارِ أولو الزَّيْغِ والعِناد، فأصبحت تلك القُصُورُ، كالمَمْحُو من السُّطور، وآضت تلك الأَوطان، مأوى للأَصْداءِ والغِرْبان [١٣] يستوحِشُ فيها الأنيسُ، ويُرثِي لمُصابها إبليسُ [١٤] ، ف- إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ٢: ١٥٦ من حادثة تقصم الظّهر، وتهدم
[١] في (الإنباه) : زيادة فيها شعر. [٢] في (الإنباه) : زيادة فيها شعر. [٣] في الإنباه: «التباب» . [٤] أريضة: «معجبة للعين» . [٥] في الإنباه: «فتمايلت طربا أشجارها» . [٦] في الإنباه ٤/ ٨٨. [٧] في الإنباه ٤/ ٨٨، ٨٩. [٨] في الإنباه: «ومشايخهم» . [٩] في الإنباه زيادة. [١٠] في الإنباه: «وقال لنفسه اله وآلك» . [١١] الرال: ولد النعام. [١٢] في الإنباه زيادة. [١٣] في الإنباه زيادة. [١٤] في الإنباه بعد ذلك شعر.