وَشَيَّعَهُ الْمُخْتَارُ إِلَى دَيْرِ ابْنِ أُمِّ الْحَكَمِ، وَاسْتَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ أَصْحَابَ الْمُخْتَارِ قَدْ حَمَلُوا الْكُرْسِيَّ الَّذِي قَالَ لَهُمُ الْمُخْتَارُ: هَذَا فِيهِ سِرٌّ، وَإِنَّهُ آيَةٌ لَكُمْ كَمَا كَانَ التَّابُوتُ آيَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: وَهُمْ يَدْعُونَ حَوْلَ الْكُرْسِيِّ وَيَحُفُّونَ بِهِ، فَغَضِبَ ابْنُ الْأَشْتَرِ وَقَالَ: اللَّهمّ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، سُنَّةُ بني إسرائيل إذ عَكَفُوا عَلَى الْعِجْلِ [١] .
فَائِدَةٌ
وَافْتَعَلَ الْمُخْتَارُ كِتَابًا عن ابن الحنفيّة يأمره فيه بِنَصْرِ الشِّيعَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْأَشْرَافِ إِلَى ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ انْتَصَرَ لَنَا بِمَنْ شَاءَ، فَوَثَبَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَكَانَ بَعِيدُ الصَّوْتِ، كَثِيرُ الْعَشِيرَةِ، فَخَرَجَ وَقَتَلَ إِيَاسَ بْنَ مُضَارِبٍ أَمِيرَ الشُّرْطَةِ، وَدَخَلَ عَلَى الْمُخْتَارِ، فَأَخْبَرَهُ، فَفَرِحَ وَنَادَى أَصْحَابَهُ فِي اللَّيْلِ بِشِعَارِهِمْ، وَاجْتَمَعُوا بِعَسْكَرِ الْمُخْتَارِ بِدِيرِ هِنْدٍ، وَخَرَجَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ فَنَادَى: يَا ثَارَاتِ الْحُسَيْنِ، أَلَا إِنَّ أَمِيرَ آلِ مُحَمَّدٍ قَدْ خَرَجَ [٢] .
ثُمَّ الْتَقَى الْفَرِيقَانِ مِنَ الْغَدِ، فَاسْتَظْهَرَ الْمُخْتَارُ، ثُمَّ اخْتَفَى ابْنُ مُطِيعٍ، وَأَخَذَ الْمُخْتَارُ يَعْدِلُ وَيُحْسِنُ السِّيرَةَ، وَبَعَثَ فِي السِّرِّ إِلَى ابْنِ مُطِيعٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ صَدِيقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: تَجَهَّزْ بِهَذِهِ وَاخْرُجْ، فَقَدْ شَعَرْتُ أَيْنَ أَنْتَ، وَوَجَدَ الْمُخْتَارُ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَبْعَةَ آلَافٍ [٣] ، فَأَنْفَقَ فِي جُنْدِهِ قُوَّاهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ: حَدَّثَنِي مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي طُفَيْلُ بْنُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: كَانَ لِجَارٍ لِي زَيَّاتٍ، كُرْسِيٌّ، وَكُنْتُ قَدِ احْتَجْتُ، فَقُلْتُ لِلْمُخْتَارِ: إِنِّي كُنْتُ أَكْتُمُكَ شَيْئًا، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَذْكُرَهُ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: كُرْسِيٌّ كَانَ أَبِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ، كَانَ يَرَى أَنَّ فِيهِ أَثَرَةً مِنْ علمٍ، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! أَخَّرْتَهُ إلى اليوم، قال: وكان ركبه وسخ
[١] الخبر في تاريخ الطبري مطوّلا ٦/ ٧ وما بعدها، وتاريخ خليفة ٢٦٣.[٢] تاريخ الطبري ٦/ ٢٢، ٢٣.[٣] عند الطبري ٦/ ٣٣ «تسعة آلاف» . وانظر: الأخبار الطوال ٢٩١، ٢٩٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute