قاسم الإصْطَخَري عن الأشعريّ فقال: كنت مرّة بالبصرة جالسًا مع عمرو بن عَلُّويه على ساجة [١] في سفينة نتذاكر في شيء، فإذا بأبي الحسن الأشعريّ قد عَبَر وسلّم علينا وجلس، فقال: عبرت عليكم أمس في الجامع، فرأيتكم تتكلّمون في شيء عرفت الألفاظ ولم أعرف المَغْزَى، فأُحبّ أن تعيدوها عليّ. قلت: وفي أي شيء كنّا؟ قال: في سؤال إبراهيم عليه السّلام «أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى» ٢: ٢٦٠ [٢] وسؤال موسى أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» ٧: ١٤٣ [٣] . فقلت: نعم.
قلت: إنّ سؤال إبراهيم هو سؤال موسى، إلّا أنّ سؤال إبراهيم سؤال متمكّن، وسؤال موسى سؤال صاحب غَلَبَةٍ وهَيَجَان، فكان تصريحًا، وكان سؤال إبراهيم تعريضًا، وذلك أنّه قال: أرني كيف تُحْيي الموتى، فأراه كيف المحيى ولم يره كيف الإحياء لأن الإحياء صفة والمحيى قدرته، فأجابه إشارة كما سأله إشارة، إلّا أنّه قال في الآخر: وَاعْلَمْ أَنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٢: ٢٦٠ [٤] ، ثمّ أنّي مشيت مع أبي الحسن وسمعت مناظرته، وتعجّبت من حُسن كلامه حين أجابهم.
قال أبو العبّاس الفَسَوي: صنّف شيخنا ابن خفيف من الكُتُب ما لم يصنّفْه أحَدٌ، وانتفع به جماعة صاروا أئمَّةً يُقْتَدَى بهم، وعُمَّر حتى [عمّ][٥] نفعُه البلدانَ.
وقال أبو الفتح عبد الرحيم بن أحمد خادم ابن خفيف: سمعت أبا عبد الله بن خفيف يقول [٦] : سأَلنا يومًا القاضي أبو العبّاس بن شريح بشِيرَاز، ونحن نحضر مجلسه لدرس الفقه، فقال لنا: محبّة الله فرض أو لا؟ قلنا
[١] الساجة: مفرد السّاج، وهو الخشب المجلوب من الهند. [٢] قرآن كريم- سورة البقرة- الآية: ٢٦. [٣] قرآن كريم- سورة الأعراف- الآية ١٤٣. [٤] قرآن كريم- سورة البقرة- الآية ٢٦٠. [٥] إضافة على الأصل يقتضيها السياق. [٦] في الأصل «يقولون» .