يَقُولُ: اجتزت بابن الجصّاص، وكان بيننا مصاهرة، فرأيته عَلَى روشن داره وهو حافٍ حاسر، يعدو كالمجنون، فلمّا رآني استحيا، فقلت: ويلك ما لك؟
فقال: يحق لي أنّ يذهب عقلي، وقد أخذوا منّي كذا وكذا أمرا عظيمًا.
فقلت مسليًا لَهُ: ما سَلْم لك يكفي. وإنّما يقلق هذا القلق من يخاف الحاجة، فأصبر حتّى أواقفك، أنك غنيّ.
قَالَ: هات.
فقال: أليس دارك هذه بفرشها وآلاتها لك؟ وعقارك بالكرخ وضياعك؟
فما زلت أحاسبه إلى أنّ بلغ قيمة ما بقي له سبعمائة ألف دينار.
ثمّ قلت: وأصدقني عمّا سَلْم لك من الجوهر والعبيد والخيل وغير ذَلِكَ.
فحسبنا ذَلِكَ، فإذا هُوَ بقيمة ثلاثمائة ألف دينار أخرى، فقلت: فمن ببغداد مثلك اليوم وجاهك قائم؟! فسجد للَّه وبكى، وقال: قد أنقذني اللَّه بك. ما عزانيّ أحد أنفع منك، وما أكلت شيئًا منذ ثلاث، وأحب أنّ تقيم عندي لنأكل ونتحدث. فقلت:
أفعل. فأقمت يومي عنده [١] .
قَالَ التّنُوخيّ [٢] : وكنت اجتمعت مَعَ أَبِي عليّ ولد أَبِي عَبْد اللَّه ابن الجصاص فسألته عمّا يحكي عَنْ أَبِيهِ من أنّ الْإِمَام قرأ: وَلَا الضَّالِّينَ ١: ٧ [٣] فقال: إيْ لعمري، بدل آمين [٤] .
وإنّه أراد أنّ يقب رأس الوزير الخاقانيّ، فقال: إنّ فيه دهنا.
[١] والحكاية في: المنتظم لابن الجوزي ٦/ ٢١٣، ٢١٤، وهي باختصار في البداية والنهاية ١١/ ١٥٦، ١٥٧. [٢] في: نشوار المحاضرة ١/ ٢٩. [٣] آخر سورة الفاتحة. [٤] الهفوات النادرة للصابي ١٤٧، أخبار الحمقى والمغفّلين ٥٣، ذيل زهر الآداب ٢٠٣، فوات الوفيات ١/ ٢٧٥، وانظر نادرة مشابهة في البصائر والذخائر للتوحيدي ١/ ١٤٥ بتحقيق د. إبراهيم الكيلاني، مكتبة أطلس ومطبعة الإنشاء بدمشق ١٩٦٤.