نفسَه ولسانه، أي لا يبتَذِله (١) فيما لا يَعنيه. وعليه قوله تعالى: «ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ (٢)»، في أحد الأوجُه أي صُونوها ولا تبتذِلوها، والغَرض صَونُ المُقْسَم به (٣) عن الابتذال. وبيانُه في قوله [تعالى](٤): «وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ (٥)» أي معرَّضاً لها فتبتذِلوه (٦) بكثرة الحلِف به لأنه أمرٌ مذموم [ولذا قال اللّه تعالى: «وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (٧)».
فجعل الحَلّاف عُنوانَ الأوصاف المذمومةِ] (٨) ويعضُد هذا الوجهَ مجيئه بالواو (٩) دون الفاء، وعليه بيت كُثيّر:
قليلُ الألايَا، حافظٌ ليمينِه … وإن بدَرتْ منه الأليّة بَرَّتِ (١٠)
أي لا يُولِي أصلًا بل يتحفّظ ويَتصوَّن، ألا تَرى كيف قرّرَ بذلك أن القِلّة فيه بمعنى العدَم كما في بيت الحماسة:
وبهذا دخل البيتان في باب المدح، على أنك لو حَملْت القلّة على الإثبات، والحِفظَ على مراعاة اليَمين لأداء الكفَّارة كما زعموا لم تَحْلَ بطائل قطّ من قوله:«وإن بدَرتْ»، وهذا ظاهر لمن تأمل.
و «بدرت»، بالباء، من قولهم: بدَر منه كلام، أي سبَق، والبادرة: البديهة.
(١) في هامش الأصل: «لا يبتذلهما». (٢) المائدة ٨٩. (٣) وهو اللّه سبحانه. (٤) من ع. وفي ط: قول اللّه تعالى. (٥) البقرة ٢٢٤. (٦) قوله: فتبتذلوه» ليس في ع. (٧) القلم ١٠. (٨) ما بين مربعين من هامش الأصل عن نسخة أخرى. وهو مثبت في ط وأوله: «ومنه قوله تعالى … ». (٩) يعني قوله: واحفظوا. (١٠) العجز ساقط من ع. والبيت في ديوان كثير ٢/ ٢٢٠ «ط: ١٩٣٠» واللسان «ألو» وطلبة الطلبة «٦١». (١١) عجزه ليس في ع. والبيت لتأبط شراً من قصيدة في الحماسة «١/ ٩٤ «مرزوقي».