مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا}، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَكَلَ مِنْ بُدْنِهِ.
وَقَالَ جَابِرٌ: «كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا» فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. (١)
وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا نَحَرَ الْبَدَنَاتِ الْخَمْسَ. قَالَ: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» (٢). وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا.
وَالْمُسْتَحَبُّ: أَنْ يَأْكُلَ الْيَسِيرَ مِنْهَا، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَلَهُ الْأَكْلُ كَثِيرًا وَالتَّزَوُّدُ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. وَتُجْزِئُهُ الصَّدَقَةُ بِالْيَسِيرِ مِنْهَا، كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنْ أَكَلَهَا ضَمِنَ الْمَشْرُوعَ لِلصَّدَقَةِ مِنْهَا، كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ.
[مسألة [١٧٩]: إذا أكل مما هو ممنوع من أكله من الهدي؟]
قال الإمام ابن قدامة -رحمه الله- في «المغني» (٥/ ٤٤٧): وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا مَا مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ حَيَوَانًا، فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَى الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ. وَإِنْ أَطْعَمَ غَنِيًّا مِنْهَا، عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، جَازَ كَمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَ أَكْلَهُ مَلَكَ هَدِيَّتَهُ. وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ أَتْلَفَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ عَطِيَّتَهُ لِلْجَازِرِ. وَإِنْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ شَيْئًا، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ مِنْ غَيْرِ
(١) أخرجه البخاري (١٧١٩)، كما أخرجه أيضًا مسلم (١٩٧٢)، (٣٠).(٢) أخرجه أحمد (١٩٠٧٥)، وأبو داود (١٧٦٥)، عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه، بإسناد صحيح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute