١. أن بلاغة اللغة العربية في تأدية المعاني إلى الأفهام بأدْنى ضروب الكلام تخص كل معنى بعبارة وإن كان مشاركًا للآخر في أكثر وُجُوهه، فالإجارة قد تأتي بلفظ النفع أو التمليك أو العطاء أو البيع (١).
٢. أن المنافع تتعدد وتضاف إلى العين بحسب الحاجة: إما بشكل صريح، أو بمعنى يفهم من خلاله أنه يراد به الإجارة، فتنعقد به، وهذا من سماحة الشريعة الإسلامية.
٣. أن المنافع تتعدد، فليس كل منفعة يقصد به الإجارة، فما كان على عوض في الرقاب سميت بيعًا، وما كان منافع الفروج تختص بالنكاح، وما كانت المنافع في الرقاب فتخصص بالإجارة (٢).
أدلة القول الثالث: أن لفظ الإجارة ينعقد بما عدَّه الناس أجرةً بأي لغة ولفظ كان.
يمكن الاستدلال عليه بعموم أدلة الإجارة من المعقول:
١. أن النبي ﷺ والصحابة والتابعين كانوا يستأجرون، ولم يكونوا يلتزمون الصيغة من الطرفين (٣).
٢. أنه لم يصح في الشرع اشتراط لفظ؛ فوجب الرجوع إلى العرف كغيره من الألفاظ (٤).
٣. أنه ليس لذلك حد مستقر، لا في شرع ولا في لغة، بل يتنوع بتنوع اصطلاح الناس (٥).
(١) ينظر: الأسئلة والأجوبة الفقهية (٥/ ٢٣٦)، حاشية الروض المربع (٥/ ٢٩٤)، المعلم بفوائد مسلم (٢/ ٢٣٥). (٢) ينظر: المعلم بفوائد مسلم (٢/ ٢٣٦). (٣) فالنبي ﵇ قد استأجر رجلاً من بني الديل هاديًا خريتًا، وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث. أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣/ ٨٨) برقم: (٢٢٦٣) (كتاب الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة)، (٣/ ٨٩) برقم: (٢٢٦٤) (كتاب الإجارة، باب إذا استأجر أجيرًا ليعمل له بعد ثلاثة أيام). وكذلك الصحابة - رضوان الله عليهم- كانوا يأخذون الأجر على أعمال القرب لحديث عبيد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، أن نفرًا من أصحاب رسول الله ﷺ مروا بحي من أحياء العرب، وفيهم لديغ - أو سليم - فقالوا: هل فيكم من راق؟ فانطلق رجل منهم، فرقاه على شاء فبرأ، فلما أتى أصحابه كرهوا ذلك، فقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا. فلما قدموا على رسول الله ﷺ، أتوا رسول الله ﷺ، فأخبروه بذلك، فدعا رسول الله ﷺ الرجل، فسأله، فقال: يا رسول الله، إنا مررنا بحي من أحياء العرب، فيهم لديغ - أو سليم - فقالوا: هل فيكم من راق؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ، فقال رسول الله ﷺ: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله. أخرجه البخاري في "صحيحه" (٧/ ١٣١) برقم: (٥٧٣٧) (كتاب الطب، باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم)، وابن حبان في "صحيحه" (١١/ ٥٤٦) برقم: (٥١٤٦) (كتاب الإجارة، ذكر الإخبار عن إباحة أخذ المرء الأجرة على كتاب الله جل وعلا). (٤) ينظر: روضة الطالبين (٣/ ٣٣٩)، إعلام الموقعين (١/ ٣٤٣). (٥) ينظر: القواعد النورانية (ص: ١٥٥)، مجموع الفتاوى (٢٩/ ٧).