للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: المسألة المبنية الثانية: حكم الإيجاب في العقود الجائزة إذا زال العقل]

اتفق فقهاء الحنابلة في هذه المسألة على بطلان إيجاب العاقد قبل القبول في حال زال عقله بالكلية. والقائلون بذلك: البهوتي، وابن قدامة، وابن مفلح، والمرداوي وغيرهم (١).

سبب الاتفاق: هو عدم الأهلية، فلا يترتب على المجنون إذا جن بعد الإيجاب وقبل القبول، فإن هذا الإيجاب لا يقع ولا يُؤخَذ به.

الأدلة:

ويمكن أن يستدل على ذلك من السنة والإجماع والمعقول:

أولاً: من السنة:

عن عائشة قالت: قال رسول الله : «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» (٢).

وجه الاستدلال:

أن العاقد لا بدَّ له من كمال الحال، فالمجنون لا يصح منه التصرف لفقدان عقله، فإن رجع قُبل إيجابه.

ثانيًا: من الإجماع:

اتفق العلماء على أن المجنون لا تصح عقوده، قال ابن تيمية : "وأما المجنون الذي رفع عنه القلم، فلا يصح شيء من عباداته باتفاق العلماء، ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا غير ذلك من العبادات، ولا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا كالتجارة والصناعة، فلا يصلح أن يكون بزازًا ولا عطارًا ولا


(١) كشاف القناع (٥/ ٤٠)، معونة أولي النهى شرح المنتهى (٩٧٢) (٩/ ٤٢)، الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص: ٥١٢)، مطالب أولي النهى (٥/ ٥١)، الإنصاف (٤/ ٣٧١)، الشرح الكبير (٧/ ٣٧٧)، المغني (٧/ ٨١)، المبدع في شرح المقنع (٦/ ٩٥)، الفروع وتصحيح الفروع (٨/ ٢٠٣)، المبدع في شرح المقنع (٦/ ٩٥)، شرح منتهى الإرادات (٢/ ٦٣٣).
(٢) أخرجه ابن الجارود في "المنتقى" (١/ ٦٠) برقم: (١٦٥) (فرض الصلوات الخمس وأبحاثها)، وابن حبان في "صحيحه" (١/ ٣٥٥) برقم: (١٤٢) (كتاب الإيمان، ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس في كتبة الشيء عليهم)، والحاكم في "مستدركه" (٢/ ٥٩) برقم: (٢٣٦٣) (كتاب البيوع، الرهن محلوب ومركوب)، والنسائي في "المجتبى" (١/ ٦٧٧) برقم: (٣٤٣٢/ ١) (كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج)، وأبو داود في "سننه" (٤/ ٢٤٣) برقم: (٤٣٩٨) (كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا)، والدارمي في "مسنده" (٣/ ١٤٧٦) برقم: (٢٣٤٢) (كتاب الحدود، باب رفع القلم عن ثلاثة)، وابن ماجه في "سننه" (٣/ ١٩٨) برقم: (٢٠٤١) (أبواب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم)، وقال ابن الملقن في البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير (٣/ ٢٢٥): "إسناد حسن بل صحيح متصل كلهم علماء".

<<  <   >  >>