للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثاني: المسألة المبنية: حكم لو زال المرض ودام الجنون في كلا الزوجين]

اتفق فقهاء الحنابلة أنه يحق للمرأة والزوج طلب الفسخ في حال جنون (١) كلٍّ منهما. والقائلون بذلك: أبو الفرج، وابن قدامة، والبهوتي، والمرداوي، وغيرهم (٢).

سبب الاتفاق: لغياب العقل وغياب المسؤولية والتكليف المناط بالشخص المريض.

الأدلة:

يمكن أن يستدل على ذلك من الأثر والمعقول:

أولاً: من الأثر

١. ما جاء عن عمر بن الخطاب قال: «أيما رجل تزوج امرأة، وبها جنون، أو جذام، أو برص، فمسها فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها» (٣).

وجه الاستدلال:

دل منطوق هذا الأثر على أن الجنون عيب يفسخ عقد الزواج، وإن جاء التصريح في الرد بجنون الزوجة؛ إلا أن الزوج يلحق بها في الحكم من باب أولى؛ لأن حاجة الزوجة للفرقة أعظم من حاجة الزوج لتمكنه من الطلاق بخلافها.

ثانيًا: من المعقول:

غايات عقد الزواج السامية تحصيل السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وهذه الغاية لا يتأتى تحصليها مع وجود الجنون، لأن النفس لا تسكن إلى من تلك حاله غالبًا (٤).


(١) وفي وقتنا الحاضر ما يسمى بالانفصام في الشخصية، فإنَّ منه درجات يفوت بها العقل، ويحصل بها على الزوجين الضَّرر، وكذلك ممن يتعاطون بعض المخدرات ونحوها، فإنها تُفضي بهم إلى هذا الجنون المتقطع، أو الهوَس، أو ذهاب العقل ونحوه، فكل ذلك يُعدُّ من العيوب التي يسوغ بها فسخ النكاح من كلا الزوجين.
(٢) ينظر: الشرح الكبير (٢٠/ ٤٨٢)، المبدع شرح المقنع (٧/ ٥٦٤)، المغني (١٠/ ٥٨)، كشاف القناع (٥/ ١٠٧)، الإنصاف (٨/ ١٩٥).
(٣) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٧٥٢) برقم: (١٩٢١) (كتاب النكاح، ما جاء في الصداق والحباء)، وسعيد بن منصور في "سننه" (٦/ ٢٤٥)، والبيهقي في "سننه الكبير" (٧/ ١٣٥) برقم: (١٣٨٨٦) (كتاب النكاح، باب اعتبار السلامة في الكفاءة)، والدارقطني في "سننه" (٤/ ٣٩٨) برقم: (٣٦٧٢) (كتاب النكاح، العيب بالمرأة)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (٦/ ٢٤٤) برقم: (١٠٦٧٩) (كتاب النكاح، باب ما رد من النكاح)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٩/ ١١١) برقم: (١٦٥٥٠) (كتاب النكاح، المرأة يتزوجها الرجل وبها برص أو جذام فيدخل بها)، قال الألباني: "ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع بين سعيد وعمر". إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (٦/ ٣٢٨).
(٤) بحث منشور بعنوان الأحكام المتعلقة بالمجنون في الفقه الإسلامي، أحكام عامة ودراسة لكتاب النكاح (٢٦٤) لمرزوق عيدروس علي عوير.

<<  <   >  >>