للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[النوع العاشر: البناء على مسائل فقهية، ومنها ما يسمى: أمهات المسائل]

أن الكلام في هذه النوع له أهميته؛ إذْ إن المسائل الفقهية تختلف في قدرها، وتأثيرها في البناء عليها؛ ومن ثم تبنى الفروع على الفروع، وتخرّج المسائل على ما يشبهها.

والثابت أن من المسائل الفرعية ما يشتهر، ويكبر بالنسبة إلى مسائل فرعية أخرى، وهذا ورد في عامة أبواب الفقه؛ فتكون تلك المسائل المشتهرة بالنسبة لمسائل أخرى مصدر تفريع، وبناء واسعًا؛ وسمى بعض الفقهاء تلك المسائل (الأمهات): (أصولاً، وقواعد)، كما في قول السيوطي : "الكتاب الثالث: في القواعد المختلف فيها، ولا يطلق الترجيح -لاختلافه في الفرع- وهي عشرون قاعدة: القاعدة الأولى: الجمعة: ظهر مقصورة، أو صلاة على حيالها؟ قولان: ويقال: وجهان" (١)، ثم ذكر البناء فيها بقوله: (إن قلنا: -وإن قلنا:)، مع تكرار كلمات (البناء، والتخريج، والتفريع .. ).

ومن الفقهاء من يسميها: (أمّهات المسائل)، و (عيون المسائل)، و (رؤوس المسائل)، و (عمدة المسائل) (٢)؛ وقد ينبني على بعضها مسائل كثيرة، كقول السيوطي - أيضًا - عن الخلاف في: مسألة نفقة البائن الحامل، أنها لها، أو للحمل .. : "البائن الحامل لها نفقة بنص القرآن، وهل هي للحمل، لأنها تجب بوجوده، وتسقط بعدمه، أو لها بسببه; لأنها تجب على الموسر وغيره؟ قولان، أصحهما الثاني؛ ويتخرج على القولين: اثنان وثلاثون فرعًا .. " (٣)، وقوله: "والفروع المبنية على هذا الخلاف اثنان وثلاثون فرعًا، سقتها في تأليفي: الأشباه والنظائر" (٤)، وكقول المرداوي بعد أن تساءل عن (تدبير العبد (٥): هل هو تعليق للعتق على صفة، أو هو وصية؟ .. : "تنبيه: ينبني على هذا الخلاف مسائل جمّة .. " (٦)؛ ثم ذكر ما يزيد على عشر مسائل تبنى على الخلاف.

ومن أمثلة أمهات المسائل الفقهية التي كثر عليها البناء، والتفريع:


(١) الأشباه والنظائر، للسيوطي (ص: ١٦٢).
(٢) صنفت كتب بهذه العناوين، وغالبًا ما تكون هذه المسائل محل خلاف؛ عندما: (يذكر المسائل التي خالف فيها الإمام واحدًا من الأئمة أو أكثر ثم يذكر الأدلة منتصرًا للإمام، ويذكر الموافق له في تلك المسألة بحيث إن من تأمل كتابه وجده مصححًا للمذاهب، وذاهبًا من أقوالها المذهب المختار)، ويراد ببعضها: (مسائل أصول الدين). ينظر: المدخل (ص: ٤٣٢).
(٣) ينظر: الأشباه والنظائر، للسبكي (٢/ ١٨٧)، القواعد، لابن رجب (ص: ٤٠٥ - ٤٠٧).
(٤) الحاوي للفتاوي (١/ ٢٦٢).
(٥) التدبير هو: تعليق عتق عبده بموته. والوفاة دبر الحياة، يقال: دابر الرجل يدابر مدابرة، إذا مات، فسمي العتق بعد الموت تدبيرًا؛ لأنه إعتاق في دبر الحياة. ينظر: المغني (١٠/ ٣٤٢)، شرح الزركشي (٧/ ٤٦٧).
(٦) الإنصاف (٧/ ٤٣٥).

<<  <   >  >>