للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذه الأمثلة ليست للحصر، وإنما لتمثيل المعاني وتقريبها.

ثالثًا: القياس في الحديث:

•القياس بمعنى التقدير: أن نبي الله قال: «كان في من كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا فهل له من توبة؟ فقال: لا فقتله فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد؛ فقبضته ملائكة الرحمة. قال قتادة: فقال الحسن ذكر لنا أنه لما أتاه الموت نأى بصدره» (١).

ورد لفظ القياس في الحديث ويراد به التقدير فمعنى قوله : «قيسوا ما بين الأرضين»، أي: قدروا ما بينهما.

•القياس بمعنى إلحاق فرع بأصل في حكم لعلة مشتركة: عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي ، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: «لو كان على أمك دين، أكنت قاضيه عنها؟» قال: نعم، قال: «فدين الله أحق أن يقضى» (٢).

وهذا قياس دين الله تعالى على دين العباد، والعلة المشتركة هي قضاء الدين مطلقًا (٣).

•القياس بمعنى التمثيل والتنظير: عن النبي قال: مَثَل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمَثَلِ الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقية، قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان، لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعَلِمَ وعَلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل


(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٤/ ١٧٤) برقم: (٣٤٧٠) (كتاب أحاديث الأنبياء، باب حدثنا أبو اليمان) ومسلم في "صحيحه" (٨/ ١٠٣) برقم: (٢٧٦٦) (كتاب التوبة، باب قبول توبة القاتل وإن كثر قتله).
(٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣/ ٣٥) برقم: (١٩٥٣) (كتاب الصوم، باب من مات وعليه صوم)، ومسلم في "صحيحه" (٣/ ١٥٥) برقم: (١١٤٨) (كتاب الصيام، باب قضاء الصيام عن الميت).
(٣) ميزان الأصول في نتائج العقول (١/ ٤٦٤)، الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع (٣/ ٢٧٤).

<<  <   >  >>