الأقوال المخرّجة -وإن لم تكن هي المذهب عند بعض الفقهاء (١) - إلا أن من شروط صحة التخريج عند كثيرين منهم: أن توافق المذهب (٢)؛ فقولهم: المذهب كذا -قد يكون بنص الإمام، أو بإيمائه، أو بتخريجهم ذلك، واستنباطهم إياه من قوله، أو تعليله، وقد يكون التخريج رواية؛ لأن الرواية: قد تكون نصًّا، أو إيماءً، أو تخريجًا (٣).
رابعًا: من شروط البناء وضوابطه ثبوت الأصل محل التخريج، أو القياس:
حيث إن التخريج، والقياس من البناء وبينهما علاقة التداخل والتلازم (٤)؛ فقد "اشترط ثبوت الأصل؛ لأنه ينبني عليه الفرع، ويلحق به، وما لا ثبوت له لا يتصور بناء غيره عليه، وإنما اشترط إذا لم يكن منصوصًا عليه أن يكون متفقًا عليه بينهما ليكون غاية ينقطع عندها النزاع؛ لأن الأصل إذا كان مختلفًا فيه فالمعترض كما ينازع في الفرع ينازع في الأصل"(٥).
ويشترط بعض الفقهاء اتفاق الفرعين - محل البناء - في الترجيح؛ لأن "الغالب من أحوالهم أن تخريج مسألة على أخرى في خلافها يقتضي اتحادهما في الراجح من ذلك الخلاف"(٦).
ورأى آخرون منهم عدم لزوم اتفاق الترجيح بين الفرعين، وجواز كون الأصل فرعًا لأصل آخر، فرب فرع لأصل وذلك الحكم يظهر في الفرع أقوى من ظهوره في حكم الأصل؛ لانتهاض الدليل عليه ولهذا تراهم كثيرًا ما يصححون في المبني بخلاف ما يصححونه في المبني عليه (٧).
(١) وممن ذكر أن التخريج قد يكون هو المذهب المرداوي ﵀ في الإنصاف (١٢/ ١٣٣) في قوله: "ولا يصح إقرار السكران"، هذه إحدى الروايات .. ويتخرج صحته، بناء على طلاقه .. قلت: تقدم -في أول: كتاب الطلاق- أن في أقوال السكران، وأفعاله خمس روايات، أو ست، وأن الصحيح من المذهب: أنه مؤاخذ بها؛ فيكون هذا التخريج هو المذهب". (٢) ينظر: أدب المفتي والمستفتي (ص: ١١٦)، آداب الفتوى (ص: ٤١)، صفة الفتوى (ص: ٣٦)، المسودة في أصول الفقه (ص: ٥٣٧)، الإنصاف (١٢/ ٢٦٧). (٣) ينظر: صفة الفتوى (ص: ١١٣)، الإنصاف (١٢/ ٢٦٦). (٤) وقد بينت ذلك في الفرع الثاني ص: ٧٧. (٥) شرح مختصر الروضة (٣/ ٢٩٢). (٦) قاله الهيثمي في: الفتاوى الفقهية الكبرى (٣/ ٥، ٦)، وذكر هنا أنه أفرد ذلك بمصنف مستقل. (٧) ينظر: ما سبق في هذه المسألة (ص ١٢٦)، وما نقله ابن حجر الهيثمي ﵀ في الفتاوى الفقهية الكبرى (٣/ ٥، ٦) من كلام التاج ابن السبكي ﵀ هو في رفع الحاجب (٤/ ١٦١)، وذكر الهيثمي ﵀ - أيضًا -: أن جلال الدين السيوطي أفرد المواضع التي صححوا فيها خلاف مقتضى البناء بتأليف دال على مزيد كثرتها؛ فعلم أنه لا يلزم من البناء الاتحاد في الترجيح. قال: وهذا أمر متفق عليه، وإنما الاتحاد أكثر لا غير.