لم أقف بعد تمحيص وتدقيق لكتب الفقهاء على من عرف بناء الأصول على الفروع، وإنما المتعارف عليه هو تخريج الأصول من الفروع، وهي طريقة الحنفية أو طريقة الفقهاء وقد وصف ابن خلدون (١) هذه الطريقة في تاريخه بقوله: "ثم كتب الحنفية فيه، وحققوا تلك القواعد، وأوسعوا القول فيها، وكتب المتكلمون أيضًا كذلك، إلَّا أن كتابة الفقهاء فيها أمس بالفقه وأليق بالفروع، لكثرة الأمثلة فيها والشواهد، وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية، ثم قال: فكان لفقهاء الحنفية اليد الطولي في الغوص على النكت الفقهية والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن"(٢).
وتمتاز هذه الطريقة: بأنها تقرر القواعد تبعًا للفروع الفقهية المنقولة عن الأئمة، ولهذا يلتزمون بعدم مخالفة القاعدة للفروع، ولذا دونت هذه الطريقة بعد تدوين الفروع، ولذا اتسمت بحشد كثيرٍ من الفروع أثناء إثبات القاعدة (٣).
فيمكن أن نعرف بناء الأصول على الفروع:
هي ترتيب الفروع الفقهية لتأسيس القاعدة الأصولية التي بُني عليه وجه الحكم.
شرح التعريف:
ترتيب: جعل كل شيء في مرتبته (٤). يخرج من ذلك كل ما لا ينتمي لأي مرتبة.
الفروع الفقهية: الأحكام الشرعية المتعلقة بأحكام المكلفين (٥). ويخرج من ذلك غير المكلف كالصبي والمجنون.
لتأسيس: أي يضع أساسًا لهذه الفروع يبني عليها قاعدة أصولية (٦).
(١) هو: عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون، أصله من إشبيلية، ومولده ومنشأه بتونس، وولي فيها قضاء المالكية، رحل إلى الأندلس، اهتز له سلطانها، وأركب خاصته لتلقيه، وأجلسه في مجلسه، صنف: "العبر وديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر"، و"العبر". تاريخ ابن خلدون (٧/ ٥٠٣)، الأعلام، للزركلي (٣/ ٣٣٠). (٢) تاريخ ابن خلدون (١/ ٣٧٩)، التحصيل من المحصول (١/ ٢١). (٣) التحصيل من المحصول (١/ ٢١). (٤) التعريفات (ص: ٥٥)، معجم مصطلح الأصول (ص: ٨١). (٥) الأصول والفروع (ص: ٨٥)، رسالة في أصول الفقه (ص: ٦٧)، العدة في أصول الفقه (١/ ١٧٥). (٦) ينظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (١/ ٩٢).