المطلب الثالث: المسألة المبنية الثانية: حكم لو وكل مسلم نصرانيًّا في قبول نكاح نصرانية
اختلف فقهاء الحنابلة على وكالة المسلم لنصراني لنكاح من نصرانية على قولين:
القول الأول: يصح توكيل المسلم نصرانيًّا للمرأة النصرانية إذا كان وليها. والقائلون بذلك: أبو الخطاب، والحجاوي، والبهوتي (١).
القول الثاني: لا يصح توكيل المسلم نصرانيًّا للمرأة النصرانية مطلقًا، وإنما يزوجها حاكم. والقائل بذلك: القاضي (٢).
سبب الاختلاف: الذي يظهر لي أن سبب الاختلاف يرجع إلى: هل الولي أو الوكيل لا بدَّ له من اتحاد الدين مع الكتابية؟ فمن قال: يصح توكيل الولي الكتابي، يرى أنه لا بأس بانعقاد النكاح مع اختلاف الدين خاصة بالمسلم فقط لصحة قبوله ذلك لنفسه كالفاسق، ولكن يشترط فيه البلوغ والعقل والذكورة والعدالة في دينه والرشد، ومن قال بعدم صحته إلا من الحاكم، يرى أن الولي أو الوكيل الكتابي لا يعتبر بعقدهم، ولا بد من توكيل الحاكم، هذا والله أعلم.
الأدلة:
أدلة القول الأول: يصح توكيل المسلم نصرانيًّا للمرأة النصرانية إذا كان وليها:
يمكن أن يستدل على ذلك بأدلة مسألة تزوج المسلم ذمية، فوليها الكافر يزوجها إياه، وهي أدلة من الكتاب والمعقول:
دلت الآية على أن الكفار أولياء بعض، فيلي الكتابي موليته الكتابية، وصحح ذلك الرحيباني في تزويج الولي الكتابي موليته من المسلم، ولكن يشترط في وكيل الولي ما يشترط في الولي (٣).
يمكن أن تناقش:
أن الخطاب في الآية خصَّ الكفار بولاية بعضهم البعض في الميراث، وليس ولاية النكاح بخصوص، وهو تفسير ابن عباس ﵁، حيث نُقل عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ
(١) ينظر: المغني (٧/ ٢٧)، شرح منتهى الإرادات (٢/ ٦٤١)، الإقناع (٣/ ١٧٤)، مطالب أولي النهى (٥/ ٦٧)، حاشية الخلوتي على منتهى الإرادات (٤/ ٢٩٢)، معونة أولي النهى شرح المنتهى (٩٧٢) (٩/ ٦٤). (٢) ينظر: المبدع في شرح المقنع (٦/ ١١٢)، المغني (٧/ ٢٧)، الشرح الكبير (٧/ ٤٣٤). (٣) ينظر: معونة أولي النهى شرح المنتهى (٩٧٢) (٩/ ٦٤).