للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: أهمية البناء في مسائل الفقه ومسوغاته.]

أولاً: أهمية البناء في مسائل الفقه:

إنَّ الملاحظ في عمل الفقهاء تأصيل الفقه، وترتيبه على النصوص، وارتباط فروعه .. يجد أن عامة الفقه بمنزلة البناء؛ فمسائله يشد بعضها بعضًا؛ لأن مسائل الفقه متعانقة متشابكة؛ فروعها تتعلق بأمهاتها (١)، فتبنى مسائل الفقه على أصوله وأسسه، كالفرع على الشجرة، أو البناء على القواعد، وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو: قفر وخراب (٢).

ترجع أهمية البناء في المسائل الفقهية لعدة أمور، منها:

١ - أن نيل العلم والتمكن فيه - وخاصة في بناء المسائل الفقهية- لا يكون إلا ببذل الجهد في معرفة أصول المسائل، وفهم مآخذها وعللها، وقد قال الزنجاني : "وأن من لا يفهم كيفية الاستنباط ولا يهتدي إلى وجه الارتباط بين أحكام الفروع وأداتها التي هي أصول الفقه لا يتسع له المجال، ولا يمكنه التفريع عليها بحال، فإن المسائل الفرعية على أتساعها وبعد غاياتها لها أصول معلومة وأوضاع منظومة، ومن لم يعرف أصولها لم يحط بها علمًا" (٣).

٢ - أن التأصيل الفقهي ذو أهمية بالغة في توجيه البناء وفهمه بشكل جيد، فإن بناء المسائل على بعضها، وقياس الفروع على أصولها، والربط بين الأشباه والنظائر من أوضح أنواع التأصيل.

٣ - أن من أهمية البناء في باب الفقيه أن "يفتي فيما لا نص فيه لإمامه بما يخرجه على أصوله، هذا هو الصحيح الذي عليه العمل، وإليه مفزع المفتين من مدد طويلة، ثم إذا أفتى بتخريجه فالمستفتي مقلد لإمامه .. " (٤).

٤ - أن المجتهد، والفقيه يحتاج أن تكون جميع الأحكام الحاصلة له قد حصلت بطريق الاستدلال، فمن المسائل ما يكون حكمها مستقلاً عن الفروع الأخرى، ومنها ما يرتبط بغيره (٥)؛ فمن تأصيل المسائل الفقهية ربط أحكام الفروع بغيرها، واستنباطها من أصولها .. ؛ فلما كان الحكم في المسألة الفقهية يعتمد على تأصيلها، والاستدلال لها؛ فإن من ذلك أن ترد الفروع


(١) الإنصاف (ص: ٧١).
(٢) ينظر: معالم السنن (١/ ٣).
(٣) تخريج الفروع على الأصول (ص: ٣٤)
(٤) المجموع (١/ ٤٣)، آداب الفتوى والمفتي والمستفتي (ص: ٢٨)، وينظر في: العقد التليد (ص: ١٨٥).
(٥) ينظر: الفرع الرابع أنواع البناء في المسائل الفقهية باعتبار عدد الأصول التي يبنى عليها ص: ١١٨.

<<  <   >  >>