خامسًا: أنه يلزم من خرّج فرعًا في مذهبه على منصوص إمامه أن ينسبه إلى نفسه لا إلى إمامه؛ لأن "التخريج قد يوافق إرادة صاحب الأصل، وقد يخالفها، حتى لو عرض عليه المخرج على أصله لأنكره .. "(١)، ومن هنا فإن المخرّج " .. لا يحل له أن ينسب إليه القول، ويطلق عليه أنه قوله بمجرد ما يراه في بعض الكتب التي حفظها، أو طالعها من كلام المنتسبين إليه؛ فإنه قد اختلطت أقوال الأئمة وفتاويهم بأقوال المنتسبين إليهم واختياراتهم؛ فليس كل ما في كتبهم منصوصًا عن الأئمة، بل كثير منه يخالف نصوصهم، وكثير منه لا نص لهم فيه، وكثير منه يخرج على فتاويهم، وكثير منه أفتوا به بلفظه أو بمعناه، فلا يحل لأحد أن يقول: هذا قول فلان، ومذهبه، إلا أن يعلم يقينًا أنه قوله ومذهبه"(٢).
ويؤكد هذا ما ورد في الإنصاف من قوله:"واعلم أن مذهب الإمام أحمد: هو ما قاله أو جرى منه مجرى القول من تنبيه أو غيره، وفي جواز نسبته إليه من جهة القياس، أو من فعله، أو من مفهوم كلامه: وجهان للأصحاب، فعلى القول بأن ما قيس على كلامه مذهبه: لو أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقتين لم يجز النقل والتخريج من كل واحدة منهما إلى الأخرى؛ كقول الشارع .. وعن بعض الأصحاب: الجواز .. قلت: كثير من الأصحاب -متقدمهم، ومتأخرهم- على جواز النقل والتخريج، وهو كثير في كلامهم في المختصرات والمطولات؛ وفيه دليل على الجواز، وأطلقهما في (الفروع) في خطبة الكتاب"(٣).
سادسًا: من الضوابط التي أوردها بعض الفقهاء في البناء:
أنه لا يصح بناء قولين على وجهين (٤)، فإن "الأكثر بناء الوجهين على قولين، أو على وجهين، إذا كان المأخذ في الأصل أقوى، وأما القولان فينبنيان على القولين، وقد ينبنيان على الوجهين، وهو مما يستنكر كثيرًا؛ وجوابه أن الوجهين مأخذهما قولان، فلم نبن القولين في الحقيقة إلا على قولين"(٥).
الضوابط الخاصة ببناء الفرع على الفرع (٦):
١. أن يكون الباني متمكّنًا من الأُصول والفروع معًا، ولَا يكتفي تمكّنه من أحد الفنّين، فالمتمكّن من الفروع دون الأصول، أو الأصول دون الفروع يوقع الباني في خطأ أثناء بناء الفروع على
(١) الذخيرة، للقرافي (١/ ٣٥)، تحفة المحتاج مع حواشيها (١/ ٥٣). (٢) إعلام الموقعين (٤/ ١٣٥)، وينظر: المدخل المفصل (١/ ٤٩، ٢٧٧). (٣) ينظر: الفروع وتصحيح الفروع (١/ ٤٢). (٤) المجموع (٦/ ٢٨٦). (٥) المنثور في القواعد الفقهية (١/ ٧١). (٦) ولقد استفدت في صياغة هذه الضوابط وتكيفيها لتلائم موضوع بحثي، بما استخلصته من محاضرات الدكتور عبد الكريم الحامدي لعام ١٤٣٨/ ١٤٣٩ هـ في علم التخريج الأصولي والفروعي من (ص ٤٥ - ٤٧).