[المطلب الأول: المسألة المبني عليها: حكم إيجاب الولي قبل القبول في حال الجنون والموت]
تمهيد:
من مقاصد الشريعة الإسلامية أنها اهتمت بحفظ الضروريات في التعاملات، سواء ما كان يختص بحفظ المال أو بحفظ النفس، فالفقهاء ﵏ أولوا هذه التعاملات اهتمامهم، وفرَّعوا عليها مسائل في جواز وبطلان وقوعها في حالات، وسندرس في هذا المبحث بعضًا من تلك المسائل:
نص البناء:
قال المصنف ﵀: [(وإن أوجب (١) الولي (النكاح) ونحوه (ثم جن) قبل القبول (٢)(أو أغمي عليه قبل القبول بطل العقد) أي: الإيجاب بذلك كما يبطل (بموته نصًّا) لأن الإيجاب قبل القبول غير لازم فبطل بزوال العقل، كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون] (٣).
دراسة البناء:
اتفق فقهاء الحنابلة في هذه المسألة على بطلان إيجاب الولي قبل القبول في حال الجنون والموت. والقائلون بذلك: الحجاوي، البهوتي، وابن قدامة، وابن مفلح، والمرداوي، وغيرهم (٤).
سبب الاتفاق: الذي ظهر لي أن سبب الاتفاق هو عدم وجود الأهلية والتكليف، فلا يترتب على كل من المجنون والميت إذا مات أو جن بعد الايجاب وقبل القبول أثر في العقد، فإن هذا الإيجاب يبطل.
الأدلة:
ويمكن أن يستدل على ذلك من السنة والمعقول:
أولاً: من السنة:
عن عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق»(٥).
(١) الإيجاب: هو اللَّفظُ الصَّادِرُ مِن قبَلِ الوَليِّ أو من يقومُ مَقامَه: ينظر: كشاف القناع (٥/ ٣٧). (٢) القبول: هو اللَّفظُ الصَّادِرُ مِن قِبَل الزَّوجِ أو من يقومُ مَقامَه. ينظر: مطالب أولي النهى (٥/ ٤٦). (٣) كشاف القناع (٥/ ٤٠). (٤) ينظر: الإقناع (٣/ ١٦٨)، كشاف القناع (٥/ ٤٠)، معونة أولي النهى شرح المنتهى (٩٧٢) (٩/ ٤٢)، الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص: ٥١٢)، منتهى الإرادات (٤/ ٥٩)، مطالب أولي النهى (٥/ ٥١)، الإنصاف (٨/ ٤٩)، الشرح الكبير (٧/ ٣٧٧)، المغني (٧/ ٨١)، المبدع في شرح المقنع (٦/ ٩٥)، الفروع وتصحيح الفروع (٨/ ٢٠٣)، المبدع في شرح المقنع (٦/ ٩٥). (٥) أخرجه ابن الجارود في "المنتقى" (١/ ٦٠) برقم: (١٦٥) (فرض الصلوات الخمس وأبحاثها،)، وابن حبان في "صحيحه" (١/ ٣٥٥) برقم: (١٤٢) (كتاب الإيمان، ذكر الإخبار عن العلة التي من أجلها إذا عدمت رفعت الأقلام عن الناس في كتبة الشيء عليهم)، والحاكم في "مستدركه" (٢/ ٥٩) برقم: (٢٣٦٣) (كتاب البيوع، الرهن محلوب ومركوب)، والنسائي في "المجتبى" (١/ ٦٧٧) برقم: (٣٤٣٢/ ١) (كتاب الطلاق، باب من لا يقع طلاقه من الأزواج)، وأبو داود في "سننه" (٤/ ٢٤٣) برقم: (٤٣٩٨) (كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا)، والدارمي في "مسنده" (٣/ ١٤٧٦) برقم: (٢٣٤٢) (كتاب الحدود، باب رفع القلم عن ثلاثة)، وابن ماجه في "سننه" (٣/ ١٩٨) برقم: (٢٠٤١) (أبواب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم)، وقال ابن الملقن في البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير (٣/ ٢٢٥): "إسناد حسن بل صحيح متصل كلهم علماء".