المطلب الثالث: المسألة المبنية الثانية: حكم انعقاد الإجارة بما عدَّه الناس إجارة بأي لغة ولفظ كان
اختلف فقهاء الحنابلة في حكم انعقاد الإجارة بما عدَّه الناس إجارة بأي لغة ولفظ كان على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن لفظ الإجارة ينعقد بلفظ مخصوص (١). القائلون بذلك: الحجاوي، والبهوتي، والسامري، وابن قدامة، والمرداوي، وغيرهم (٢).
القول الثاني: أن لفظ الإجارة ينعقد بكل لفظ يدل على معناه (٣)، والقائلون بذلك: الحجاوي، والبهوتي، والمرداوي، والزركشي، وأبو الفرج، وغيرهم (٤).
القول الثالث: أن لفظ الإجارة تنعقد بما عدَّه الناس أجرةً بأي لغة ولفظ كان، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (٥).
سبب الاختلاف: أدلة كل قول، فهناك من استند إلى (الشرع، واللغة، والعرف)، ومن قال: لا ينعقد إلا باللفظ الصريح للإجارة استند إلى ما ورد في الشرع بلفظ معين لا يحيد عنه إلى لفظ آخر أو لغة أخرى، ومن قال: إنَّها تنعقد بكل لفظ أدى المعنى نظر للفظ ومعناه في أي لغة تؤدي الغرض وينعقد به العقد، ومن قال: إنَّه لا يُشترط لفظ معين ولا لغة معينة يرجع ذلك للعرف والعادة، هذا والله أعلم.
الأدلة:
أدلة القول الأول: أن لفظ الإجارة ينعقد بلفظ مخصوص.
يمكن الاستدلال عليه بعموم أدلة الإجارة من الكتاب والسنة والمعقول:
(١) يقصد بلفظ المخصوص: الإجارة والكراء، فتنعقد الإجارة بلفظ "الإجارة"، كآجرتك داري، واستأجرت، وبلفظ "الكراء"، كأكريتك واكتريت، لأن هذين اللفظين موضوعان لها. ينظر: عمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم (ص: ٣٣٠)، حاشية الروض المربع (٥/ ٢٩٤)، الإنصاف (٦/ ٤)، الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص: ٤٠٩)، شرح الزركشي (٤/ ٢٢١). (٢) ينظر: كشاف القناع (٣/ ٥٤٧)، الإقناع (٢/ ٢٨٣)، الإنصاف (٦/ ٤)، المستوعب (٢/ ١٥)، المبدع في شرح المقنع (٤/ ٤٠٧)، المغني (٥/ ٣٢٢)، الواضح في شرح الخرقي (٢/ ٢٩١)، عمدة الحازم في الزوائد على مختصر أبي القاسم (ص: ٣٣٠)، حاشية الروض المربع (٥/ ٢٩٤). (٣) يقصد به: انعقاده بلفظ: أعطيتك نفع هذه الدار، أو ملكتُكَهُ سنة بكذا، لحصول المقصود به، وكذا لو أضافه إلى العين: كأعطيتك هذه الدار سنة بكذا، وتنعقد بلفظ "بيع" إضافة إلى "النفع" نحو: بعتك نفعها، أو بعتك سكنى الدار ونحوه، أو أطلق؛ لأنها بيع فانعقدت به كالصرف؛ فإن أضيف إلى العين: كبعتك داري شهرًا، لم يصح. ينظر: الأسئلة والأجوبة الفقهية (٥/ ٢٣٦)، حاشية الروض المربع (٥/ ٢٩٤). (٤) ينظر: كشاف القناع (٣/ ٥٤٧)،) الإقناع (٢/ ٢٨٣)، الإنصاف (٦/ ٤)، الروض المربع شرح زاد المستقنع (ص: ٤٠٩)، الشرح الكبير (٦/ ٣)، شرح الزركشي (٤/ ٢٢١)، حاشية الروض المربع (٥/ ٢٩٤). (٥) ينظر: الفتاوى الكبرى (٤/ ٧)، القواعد النورانية (ص: ١٥٥)، الأسئلة والأجوبة الفقهية (٤/ ٩).