تبدي زينتها لهم، ففي الآية الأولى: استثنى الزينة الظاهرة غالبًا من المرأة، وفي الآية الثانية: استثنى من تبدى لهم الزينة، ففي هاتين الآيتين دليل على وجوب تغطية وجه المرأة.
وجه الاستدلال:
يدل على أن الأمة الجميلة إذا خشي الافتتان بها يحرم النظر إليها.
ويمكن أن يناقش:
أن الآية على عمومها لم تستثنِ الأمة الجميلة التي يخشى الافتتان بها، ومن المعلوم أن الأمة ينظر لها لما يظهر في المهنة غالبًا دون عورتها، وكذلك عند شرائها لقول ابن قدامة ﵀:(ويجوز لمن أراد شراء جارية النظر منها إلى ما عدا عورتها)(١).
ويمكن أن يجاب:
أن إطلاق النظر للأمة الجميلة بريد للوقوع في المحظور والافتتان بها؛ فيحرم النظر إليها احتياطًا وصيانة للفروج، والله أعلم.
ثانيًا: من السنة:
عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:«كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطأ، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذبه»(٢).
وجه الاستدلال:
يدل الحديث أن من مقدمات الزنا والوقوع فيه إطلاق النظر، فيحرم النظر للأمة الجميلة؛ لأنه لا يحصل الزنا الحقيقي في الغالب إلا بعد استعمال هذه الأعضاء في تحصيله (٣)، قال ابن بطال (٤): "سمي النظر والنطق زنا لأنه يدعو إلى الزنا الحقيقي"(٥).
(١) الكافي (٣/ ٥). (٢) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٨/ ٥٤) برقم: (٦٢٤٣) (كتاب الاستئذان، باب زنا الجوارح دون الفرج)، ومسلم في "صحيحه" (٨/ ٥٢) برقم: (٢٦٥٧) (كتاب القدر، باب قدر على ابن آدم حظه من الزنا وغيره). (٣) ينظر: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٦٧٤). (٤) هو: علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، ويعرف بابن اللجَّام، أبو الحسن، وشهرته: ابن بطال. أخذ عن: أبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر ابن الفرضي القرطبي، وأبي عمر أحمد بن محمد بن عفيف بن عبد الله الأموي، وروى عنه أبو داود المقرئ، وعبد الرحمن بن بشر، من مصنفاته: (شرح صحيح البخاري)، وكتاب (الزهد والرقائق)، توفي سنة ٤٤٩ هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء (١٨/ ٤٧ - ٤٨)، شذرات الذهب (٥/ ٢١٤)، معجم المؤلفين (٢/ ٤٣٨)، هدية العارفين (١/ ٦٨٨)، الأعلام (٤/ ٢٨٥). (٥) فتح الباري (١١/ ٢٨).