إذا كانت المسائل الفقهية ترتبط بالأصول فهي ترتبط فيما بينها، كما ترتبط الفروع بالأصول، ومن ذلك ارتباطها بالأصل لعلة تجمع بينهم، أو لعدم وجود فارق بينهم، ومن تلك الروابط التشابه بينهم وهو نوع من أنواع القياس، "وإن كان الشبه يطلق على كل قياس، فإن الفرع يلحق بالأصل بجامع يشبهه فيه"(١).
والشبه بين المسألتين قريب من البناء، ودل على ذلك ما ذكره بعض العلماء في مسألة تقديم رواية الخلفاء الأربعة ﵃ بقولهم:"ولعل الخلاف في تقديم روايتهم مبني على الخلاف في إجماعهم: هل هو حجة أم لا؟ فإن لم يكن مبنيًّا عليه، فهو شبيه به"(٢).
ويرد التشبيه عند الفقهاء بألفاظ مخصصة، ومنها:(أشبهت، أو تشبه، أو شابهت، أو حرف التشبيه الكاف)(٣).
والتشبيه المصرح فيه بالبناء عند الفقهاء له أمثلة كثيرة في القدر المبحوث من كتاب الكشاف، ومنها:
-المثال الأول: ربط البهوتي ﵀ بين المسألة المبنية (حكم التصريح بخطبة غير المعتدة) والمبني عليها (التصريح بالخطبة في عدة المختلعة) بالتشبيه والاشتراك في الحالة، كالتصريح بالنكاح في حالة المختلعة وحالة غير المعتدة، فكلا الحالتين جمع بينهما تشابههما في الحالة والحكم، وهي أن المختلعة في عدتها يجوز لزوجها التصريح والتعريض بنكاحها، وكذلك حالة غير المعتدة، يجوز لراغب في النكاح منها التصريح والتعريض، حيث قال:" [(إلا لزوج تحل له) كالمختلعة، لأنه يباح له نكاحها في عدتها، أشبهت غير المعتدة بالنسبة إليه] "(٤).
-المثال الثاني: ربط البهوتي ﵀ بين المسألة المبنية (حكم من وُطِئت في الدبر وما دون الفرج) والمبني عليها (حكم من زالت بكارتها بإصبع أو وثبة أو شدة حيضة وسقوط من شاهق) بالعلة المتماثلة التي من أجلها اتَّحد الحكم فيها، وهي حصول زوال البكارة بلا قصد، وإنما بعارض خارجي، فلا تأخذ حكم الثيب، لا حقيقةً ولا حكمًا، حيث قال:" [(وزوال البكارة بأصبع أو وثبة أو شدة حيضة ونحوه) كسقوط من شاهق (لا يغير صفة الإذن)، فلها حكم البكر في الإذن، لأنها لم تخبر المقصود، ولا وجد وطؤها في القبل، فأشبهت من لم تزل عذرتها (وكذا وطء دبر) ومباشرة دون الفرج؛ لأنها غير موطوءة في القبل] "(٥).
وبالنظر إلى البناء بطريق التشبيه تظهر عدة مسائل تتعلق بهذه الصورة.
(١) ينظر: المستصفى (ص: ٣١٦)، البحر المحيط (٧/ ٢٩٣). (٢) ينظر: شرح مختصر الروضة (٣/ ٦٩٧). (٣) ينظر: بناء الفروع على الفروع من كتاب الكشاف في كتابي الطهارة والصلاة (ص: ٢٧١). (٤) كشاف القناع (٥/ ١٨). (٥) كشاف القناع (٥/ ٤٧).