فما كان من منافع ومصلحة مشتركة بين الطرفين حكم بالأصلح وما تقتضيه المصلحة العامة للجار، ومن قال إن الحكم ينتقض فلأن المسألة مخالفة لنص شرعي (١).
الأدلة:
أدلة القول الأول: أن الحاكم لو حكم بصحة شفعة الجار لا تنقض شفعة الجار:
استدل أصحاب هذا القول بعموم الأدلة من السنة والمعقول في مسألة الشفعة:
أولاً: من السنة:
عن عطاء عن جابر عن النبي ﷺ قال:«الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بها، وإن كان غائبًا، إذا كان طريقهما واحدًا»(٢).
وروى أبو رافع أن النبي ﷺ قال: «الجار أحق بصَقَبِه (٣)(٤).
وجه الاستدلال:
دل منطوق الأحاديث السابقة أن الجار له الأحقية في الشفعة، لأنه الأقرب بحكم الجوار، فإن حكم الحاكم بصحة الشفعة للجار ثبتت الشفعة، لأن منافعهما مشتركة.
نوقش:
• أن حديث أبي رافع ليس بصريح فيها، فالصقب القرب، فيُحتمل أنه أحق بإحسان جاره (٥).
• أنه يُحتمل أنه أراد بالجار الشريك كما تسمى الضرتان جارتين؛ لاشتراكها في الزوج (٦).
(١) الكافي (٣/ ٩). (٢) أخرجه النسائي في "المجتبى" (١/ ٩١٣) برقم: (٤٧١٩/ ٤) (كتاب البيوع، باب ذكر الشفعة وأحكامها)، وأبو داود في "سننه" (٣/ ٣٠٧) برقم: (٣٥١٨) (كتاب الإجارة، باب في الشفعة)، والترمذي في "جامعه" (٣/ ٤٥) برقم: (١٣٦٩) (أبواب الأحكام عن رسول الله ﷺ، باب ما جاء في الشفعة للغائب)، والدارمي في "مسنده" (٣/ ١٧١٤) برقم: (٢٦٦٩) (كتاب البيوع، باب فِي الشفعة)، وابن ماجه في "سننه" (٣/ ٥٤٤) برقم: (٢٤٩٤) (أبواب الشفعة، باب الشفعة بالجوار)، والبيهقي في "سننه الكبير" (٦/ ١٠٦) برقم: (١١٦٩٩) (كتاب الشفعة، باب الشفعة بالجوار)، وأحمد في "مسنده" (٦/ ٣٠١٤) برقم: (١٤٤٧٤) (مسند جابر بن عبد الله ﵁. اختلف في حكم هذا الحديث، فقال ابن عبد البر: هذا حديث انفرد به عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، وهو ثقة، وأنكره عليه شعبة. ينظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار (٢١/ ٢٦٣)، وحكم عليه الإمام أحمد ﵀ بقوله: هذا حديث منكر، وعبد الملك ثقة. ينظر: تهذيب التهذيب (٢/ ٦١٣)، تهذيب الكمال (١٨/ ٣٢٢). (٣) الصقبة: الصَّقَبُ: الْقُرْبُ وَالْمُلَاصَقَةُ. وَيُرْوَى بِالسِّينِ. وَالْمُرَادُ بِهِ الشُّفْعَةُ. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (٣/ ٤١). (٤) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٣/ ٨٧) برقم: (٢٢٥٨) (كتاب الشفعة، باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع). (٥) المغني (٥/ ٢٣١)، الواضح في شرح الخرقي (٦٨٤) (٢/ ٢٦٢)، فتح الملك العزيز بشرح الوجيز (٤/ ٢٤٤). (٦) فتح الملك العزيز بشرح الوجيز (٤/ ٢٤٤).