القول الأول: أن الحاكم لو حكم بصحة نكاح المرأة نفسها فإنه لا ينتقض هذا العقد. والقائلون بذلك: الحجاوي، والبهوتي، والرحيباني، وابن قدامة، وغيرهم (١).
القول الثاني: أن الحاكم لو حكم بصحة نكاح المرأة نفسها فإنه ينتقض هذا العقد، وهو وجه في المسألة. والقائل بذلك: القاضي أبو يعلى (٢).
سبب الاختلاف: الذي يظهر لي يرجع لأمرين: لوجود نص شرعي ينهى عن ذلك مع تقديم المصلحة، فمن قال: إنَّه لا ينتقض الحكم، أرجع السبب إلى أنها مسألة مختلف فيها فأشبهت الشفعة، فما كان من منافع مشتركة حكم بالأصلح وما تقتضيه المصلحة العامة للمرأة، كما لو عضلت أو وضعت شروط تظلم المرأة ككثرة المال حتى لا يرغب فيها، ومن قال: إن الحكم ينتقض فلأن المسألة مخالفة لنص شرعي (٣).
الأدلة:
أدلة القول الأول: أن الحاكم لو حكم بصحة نكاح المرأة نفسها فإنه لا ينتقض هذا العقد:
ويمكن أن يستدل على هذا القول بعموم الأدلة في مسألة حكم الحاكم في صحة نكاح المرأة بلا ولي (٤) من السنة والمعقول:
أولاً: من السنة:
عن ابن عباس، أن النبي ﷺ قال: «الأيم (٥) أحق بنفسها من وليها» (٦).
وجه الاستدلال:
دل منطوق الحديث أن للمرأة الحق في الاختيار لوجود لفظ أحق، حيث أفاد المشاركة (٧) في اتخاذ القرار، قال النووي:"يحتمل من حيث اللفظ أن المراد: أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره"(٨).
(١) ينظر: الإقناع (٣/ ١٧١)، كشاف القناع (٥/ ٤٩)، الكافي (٣/ ٩)، المغني (٧/ ٨)، الشرح الكبير (٧/ ٤١١)، المبدع في شرح المقنع (٦/ ١٠٥). (٢) ينظر: الكافي (٣/ ٩)، المغني (٧/ ٨)، الشرح الكبير (٧/ ٤١١)، المبدع في شرح المقنع (٦/ ١٠٥). (٣) الكافي (٣/ ٩)، قال القرطبي في تفسيره: "وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ". تفسير القرطبي (٣/ ٧٢). (٤) الذي ظهر لي في هذه المسألة أن الخلاف في المذهب الحنبلي قائم على حكم الحاكم في مسألة: نكاح المرأة بلا ولي، فإذا رأى الحاكم في ذلك مصلحة معتبرة فيثبت لها هذا العقد، ومن قال منهم: إنَّه لا يثبت، أرجعه لحكم النكاح الفاسد. (٥) الأيم: هي التي لا زوج لها، بكرًا كانت أو ثيبًا. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (١/ ٨٥). (٦) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٤/ ١٤١) برقم: (١٤٢١) (كتاب النكاح، باب استئذان الثيب فِي النكاح بالنطق، والبكر بالسكوت). (٧) شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (٧/ ٢٢٨٠). (٨) شرح النووي على مسلم (٩/ ٢٠٣)، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (٢٧/ ٢٠٤) وقال النووي: "واعلم أن لفظة (أحق) هنا للمشاركة، معناه: أن لها في نفسها في النكاح حقًّا، ولوليها حقًّا، وحقها أوكد من حقه. فإنه لو أراد تزويجها كفؤًا وامتنعت لم تجبر، ولو أرادت أن تتزوج كفؤًا فامتنع الولي أجبر، فإن أصر زوجها القاضي، فدل على تأكيد حقها ورجحانه". شرح النووي على مسلم (٩/ ٢٠٤).