وقوله ﷺ في من وَقَصَتْهُ ناقتُهُ:«اغسلوه بماء وسدر»(١).
وجه الاستدلال من الحديثين السابقين:
وهذا يدل على أن بدن الميت ليس بنجس، لأنه لو كان نجسًا لم يفد الغسل فيه شيئًا، فالكلب مثلاً لو غسلته ألف مرة لم يطهر؛ ولولا أن غسل بدن الميت يؤثر فيه بالطهارة لكان الأمر بغسله عبثًا (٢).
نوقش ذلك:
أنَّ هذا ظاهر في المؤمن أنه لا ينجس، أما بالنسبة للمشرك فكيف يقال: لا ينجس، والله يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ [التوبة: ٢٨](٣).
ينجس الكافر وشعره بموته، لأن الخبر إنما ورد في المسلم، ولا يقاس الكافر عليه، لأنه لا يصلى عليه، ولا حرمة له كالمسلم (٤).
ويجاب عن ذلك:
أن المراد بالنجاسة هنا النجاسة المعنوية؛ بدليل أن الله تعالى أباح لنا أن نتزوج نساء أهل الكتاب، وأن نأكل طعامهم، مع أن أيديهم تلامسه؛ والإنسان يلامس زوجته إذا كانت من أهل الكتاب، ولم يرد أمر بالتطهر منهن؛ وهذا هو القول الصحيح (٥).
وقيل المراد بالنجاسة نجاسة الاعتقاد والاستقذار، وليس المراد أن أعضاءهم نجسة كنجاسة البول والغائط ونحوهما، فإذا ثبتت طهارة الآدمي مسلمًا كان أو كافرًا فعرقه ولعابه ودمعه طاهر، سواء كان محدثًا أو جنبًا أو حائضًا أو نفساء (٦).
ثانيًا: من المعقول:
• أنه لا فرق فيه بين المسلم والكافر لاستوائهما في الآدمية حال الحياة (٧)، وكذلك بعد الموت.
• أنه لا ينجس بالموت، فلو وقع في ماء فغيره، لم ينجس الماء (٨).
(١) أخرجه البخاري في "صحيحه" (٢/ ٧٥) برقم: (١٢٦٥) (كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين)، ومسلم في "صحيحه" (٤/ ٢٣) برقم: (١٢٠٦) (كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات). (٢) ينظر: الشرح الممتع (١/ ٤٤٨). (٣) ينظر: المرجع السابق. (٤) المبدع في شرح المقنع (١/ ٢١٧). (٥) المرجع السابق، فتح الباري (١/ ٣٩٠). (٦) شرح النووي على مسلم (٤/ ٦٦)، شرح أبي داود، للعيني (١/ ٥١٢). (٧) المبدع في شرح المقنع (١/ ٢١٧). (٨) الإنصاف (٢/ ٣٤٠).