سبب الاختلاف: يظهر لي - والله اعلم- أنَّ سبب اختلافهم هو وجود الشهوة والاستمتاع بالنظر والوصف، فإن وجدت في الخصي والمجبوب والممسوح حرم النظر، وإن لم توجد أبيح لهم النظر فيما يظهر لمحارم المرأة في الغالب.
الأدلة:
أدلة القول الأول: يحرم نظر الخصي والمجبوب والممسوح إلى الأجنبية.
ويستدل على هذا القول من السنة والمعقول:
أولاً: من السنة:
عن عائشة ﵂ قالت: «دخل على أزواج النبي ﷺ مخنث (١)، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة (٢)، فدخل علينا النبي ﷺ وهو ينعت (٣) امرأة: أنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان (٤)، فقال النبي ﷺ: لا أرى هذا يعلم ما هاهنا؟ لا يدخلن عليكم هذا؛ فحجبوه» (٥).
وجه الاستدلال:
(١) المخنث: هو المؤنث من الرجال وإن لم تعرف فيه الفاحشة، الذي يشبه النساء في أخلاقه وكلامه وحركاته، وتارة يكون هذا خلقه من الأصل وتارة بتكلف. ينظر: شرح النووي على مسلم (١٤/ ١٦٣)، شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (٧/ ٢٢٧٧)، الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (١٩/ ١٦٨) التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٥/ ١٣٨). (٢) غير أولى الإربة: هو الأبله الأحمق العنين الذي لا إرب له في النساء، ولا يفطن بشيء من معايبهن ومحاسنهن، فمن كان بهذه الصفة لم يكن بدخوله على الناس بأس. ينظر: الاستذكار (٧/ ٢٨٨)، شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٧/ ٣٦٢). (٣) ينعت: يعني يصف المرأة، وقال ابن بطال: … وصف المخنث للمرأة بهذه الصفة التي تهيم نفوس الناس، مُنع أن يدخل عليهن؛ لئلا يصفهن للرجال، فيسقط معنى الحجاب. ينظر: شرح صحيح البخاري، لابن بطال (٧/ ٣٦١)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (٢٥/ ١٣٨). (٤) يقصد (إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان)، المراد بالأربع: هي العكن جمع عكنة، وهي الطية التي تكون في البطن من كثرة السمن، يقال: تعكن البطن إذا صار ذلك فيه، ولكل عكنة طرفان، فإذا رآهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعًا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثماني، وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن، وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء، وجرت عادة الرجال غالبًا في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة. ينظر: عون المعبود شرح سنن أبي داود (٩/ ١١٢٨)، طرح التثريب في شرح التقريب (٨/ ١١٥)، نيل الأوطار (٦/ -١٣٨ - ١٣٩). (٥) أخرجه مسلم في "صحيحه" (٧/ ١١) برقم: (٢١٨١) (كتاب السلام، باب منع المخنث من الدخول على النساء الْأجانب)، وابن حبان في "صحيحه" (١٠/ ٣٤٠) برقم: (٤٤٨٨) (كتاب السير، ذكر ما يستحب للإمام لزوم الاحتياط لرعيته في الأشياء التي يخاف عليهم من متعقبها).