ولكن لأجل الحاجة يباح للطبيب مداواتها والنظر لموضع الحاجة منها حتى لو اضطر لرؤية عورتها، فتلحق المسائل المبنية على المبني عليها في الحكم إذا وجدت العلة، وهي الحاجة، وقد رجح حتى لو كان الطبيب ذميًّا، فتتبعه المسائل في ذلك، حيث قال:" (ولطبيب نظر ولمس ما تدعو الحاجة إلى نظره ولمسه حتى ذلك فرجها وباطنه)؛ لأنه موضع حاجة، وظاهره ولو ذميًّا (ومثله) أي: الطبيب (من يلي خدمة مريض أو مريضة في وضوء واستنجاء وغيرهما، وكتخليصها من غرق وحرق ونحوهما، وكذا لو حلق عانة من لا يحسن حلق عانته نصًّا) وظاهره ولو ذميًّا"(١).
-المثال الثاني: ربط البهوتي ﵀ بين المسألة المبنية (حكم من وُطِئت في الدبر وما دون الفرج)، والمبني عليها (حكم من زالت بكارتها بإصبع أو وثبة أو شدة حيضة وسقوط من شاهق) بالعلة المتماثلة التي من أجلها اتَّحد الحكم فيها، وهي حصول زوال البكارة بلا قصد، وإنما بعارض خارجي، فلا تأخذ حكم الثيب، لا حقيقةً ولا حكمًا، حيث قال: [(وزوال البكارة بأصبع أو وثبة أو شدة حيضة ونحوه) كسقوط من شاهق (لا يغير صفة الإذن)، فلها حكم البكر في الإذن، لأنها لم تخبر المقصود، ولا وجد وطؤها في القبل، فأشبهت من لم تزل عذرتها (وكذا وطء دبر) ومباشرة دون الفرج؛ لأنها غير موطوءة في القبل] (٢).
الصورة الثانية: البناء بتعليل أحد الحكمين بالآخر:
-ومثال ذلك: ربط البهوتي ﵀ بين المسألتين المبنيتين: (حكم الخلوة بدابة يشتهيها ولا يعف عنها)، و (حكم الخلوة بحيوان يشتهي المرأة وتشتهيه)، والمبني عليها:(نظر الرجل بدابة يشتهيها ولا يعف عنها) بالعلة المشتركة، ورتبها وبناها على بعضها، وهي خوف الفتنة في حال وجود الشهوة، حيث قال: [(ويحرم النظر مع شهوة تخنيث وسحاق ودابة يشتهيها، ولا يعف عنها (٣) قاله ابن عقيل (٤)، وهو ظاهر
(١) ينظر: كشاف القناع (٥/ ١٣). (٢) كشاف القناع (٥/ ٤٧). (٣) العفة: فعل ما يحقق العفاف للنفس أو للغير، والعفة والعفاف: الكف عن الحرام وعما يستهجن كسؤال الناس، وقيل: هو الصبر والنزاهة عن الشيء. ويطلق العفاف في العرف العام على شرف النفس، فالعفيف: هو من يباشر الأمور على وفق الشرع والمروءة، ويطلق في الاصطلاح غالبًا على ترك الزنى باستعفاف المسلم أو المسلمة عن الوطء الحرام. ينظر: معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية (١/ ٢٣٦). أما المقصود هنا (لا يعف عنها) أي: لم يحصل له العفاف، وهو الكف عن الحرام عن الدابة بفعل الفاحشة بها. ينظر: المطلع على أبوات المقنع (ص: ٣٢٢). (٤) هو: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن محمد بن عبد الله، أبو الوفاء الفقيه الحنبلي، شيخ الحنابلة، ومصنف التّصانيف. سمع: أبا بكر محمد بن عبد الملك بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا المقرئ، والقاضي أبا يَعلى، وغيرهم. روى عنه: أبو حفص المغازليّ، وأبو المُعَمَّر الأنصاريّ، وغيرهما، وتفقَّه عَلَى القاضي أبي يَعلى، له كتاب "الفنون"، لم يصنَّف في الدُّنيا أكبر منه، توفي سنة ٥١٣ هـ. ينظر: طبقات الحنابلة (٢/ ٢٥٩)، تاريخ الإسلام (١١/ ٢٠٣ - ٢٠٤).